الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

فلسطين المجنونة

الكاتب: زياد خداش


1
بقايا مطعم فول وحمص صغير، معتم من بقايا شيء قديم اسمه الداخل، قصفت الحرب الأخيرة نصفه، وأبقت جداراً ونصفَ سقف وبقايا جرة غاز، صاحبه يناسبه اسم أيمن (مثلا)، درس سنتين فقط في التسعينيات في جامعة بيرزيت، وتركها غاضباً أو مجنوناً بسبب فشله في حب بنت نابلسية ثرية جداً، سمين ببقايا شبشب آيل للذوبان تحت أصابع قدميه المهولة السواد، ُمقطّب الجبين وأنفه أحمر من البرد أو الغضب، يأخذني اليه خالد شاهين، في صباح غزاوي مبكر جداً، أطفال يتصايحون، (وين الصحن يا عمي)، يحتشدون حفاة، ونصفهم (بحمامات) مكشوفة، وبقايا حمار لبقايا شخص نحيل أربعيني يقف بقدم طبيعية وأُخرى اصطناعية، بانتظار صحن فول، بقايا الحمار مربوطة بحجر كبير طار من بقايا بيت مقصوف في الجوار، تمشي الحياة في غزة على قدمين من بقايا كل شيء.
آه يا ربي.
أريد صحن فول ساخن الآن من هذا المطعم في غزة. يا خالد.

2
وكان صوتها التونسي (كاسراً بجمال لا يُصدق ياء اسمي) يشق فاكهته من آخر الحافلة تجاهي كقطار من أطفال وشوكلاته: مبسوط يا ( زيييد)؟ الحب: هو صديقة من بلاد لا تعرف فيها أحداً سواها تسألك ضاحكة من آخر حافلة :إنت مبسوط يا صاحبي؟

3
أهرب من شهيد فلسطيني يلح عليّ لكي يشتري لغتي مقابل جرعة من عاطفة، وكسرة من حنين، أنجح كثيراً وأفشل أحياناً في مساءلة الدم الفلسطيني المهروق على طرقات العبث في فلسطين، لست ضد أن يقاوم الفلسطيني ضد الاحتلال فهذا مشروع ومطلوب وطبيعي، أنا ضد أن يموت العقل في فلسطين وتستقيل السياسة وُيرجم التاريخ بحجارة من انفعال وانتقام وتشف. لذا أهرب من فلسطينيتي المجنونة التي لا تعينني على لمس المستقبل، إلى فلسطين لغوية بهية متوهمة أعيش فيها انتظاراً لفلسطين حقيقية أشمها بأنفي، وآكلها بفمي، يحيّرني شعبي، فهو من جهة عظيم التضحيات، لكن غير معقول أن نظل مئات السنين َنقتل وُنقتل، بسبب غياب مشروع وطني واضح. أنا حزين جداً..

4
تكسرني وتسكرني في آن فكرة أني حفيد شخص ولد وعاش طويلا في الرملة الفلسطينية، كان مزارعاً شرساً وحيداً لأبويه، يكسرني هذا الظلم، لا يعرف الإنسان معنى كلمة لاجئ إلا إذا جرب اللجوء، يُسكرني حلم العودة، ويمنحني مساحة فتنة التخيل وجمال التوقع، وسحر الآتي، (زرت) بلدتي الخالية من البيوت، قبل أشهر لأول مرة، وحين انتهت (زيارتي)، لم أصدق أنني كان يجب أن أكون من هنا، قريتي ليست جنة، هي تشبه كل القرى، ومن المحتمل جدا أن يكون من بين سكانها قاتل ولص وانتهازي، لكن مجرد إبادتها وطرد سكانها يعطيها ملمحاً قدسياً لا أفهمه، تماماً مثل الصديق العادي الذي يموت فجأة، نحس تجاهه بهيبة غير مفهومة. بين سكر الحلم وانكسار ظهر جدي، ثمة حياة أعيشها الآن، تتخبط في الألم والمتعة.

 

نقلا عن "الأيام" الفلسطينية

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...