الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:44 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

وما أدراك ما "الدندوه"

الكاتب: سما حسن

رام الله - رايــة:

كانت تجلس إلى الطاولة المجاورة لطاولتي على شاطئ البحر، ويصل صوتها إليّ مع صوت الموج، فتوقعت أن تكون متقدمةً في العمر، خصوصاً حين قالت إن الميني الجيب دخل إلى العالم العربي في سبعينيات قرن الماضي، ومع ذلك لم نسمع عن حوادث التحرش، وكان الجميع يخافون على بعضهم، حيث كانت تقام أيضاً الأفراح والحفلات والرحلات المختلطة، واستمر حديثها، مع صاحبتها، عن تغير الحال والنفوس إلى الأسوأ.
نبّهني حديثها إلى أمرٍ خطير يحدث حولنا. وتساءلت بيني وبين نفسي عن الذي تغيّر، وقد كنا نشاهد إعلانات التلفزيون المصري، ونحن صغار، ولم يعقّب أحدهم بأنها خادشةٌ للحياء، مثل إعلان شوكولاتة "كوفرتينا"، فردّدنا بفرح عبارة "كوفرتينا على العريس يبقى حيتجوز ويهيص"، لكن إعلاناً عن حليبٍ صناعيٍ أصبح دعوةً إلى الفسق والفجور، وأنه يتضمن إيحاءاتٍ جنسية. وأقام رواد مواقع التواصل الاجتماعي الدنيا ولم يقعدوها، إلا حين تم وقف الإعلان، بعد أن خرج كثيرون من المتحرّشين في مصر إلى الشوارع، وهم يردّدون كلمة "الدندوه" أمام النساء والفتيات، مصطلحاً جديداً أضافوه إلى قاموس كلمات التحرّش، وهو مصطلحٌ ابتدعته الشركة المنتجة، للإشارة إلى صدر الأم الذي ينتج الحليب الأول والأفضل لغذاء الطفل.
كنت ممن شنوا هجوماً مبدئياً، وعبر حسابي على "فيسبوك" على هذا الإعلان، لكني نظرت إليه نظرة المشاهد الذي تشبّع من الأرقام والإحصائيات عن حوادث التحرّش والاغتصاب والفلتان الأخلاقي في الشوارع العربية، وليس في مصر فحسب. ورأيت أن هذا الإعلان ما هو إلا إضافة جديدة لقائمة إعلانات الرقص والتمايل والتغنج، ورصيد إضافي لمسلسلات العلاقات الشاذّة والعرى والمشاهد الساخنة والإيحاءات الجنسية، والتي لا تتناسب ليس مع شهر رمضان فقط. ولكن، أيضاً مع كل أيام العام، واختتمت هجومي بقولي "إحنا مش ناقصين".

عدت بذاكرتي إلى الماضي، وتذكّرت الأمثال الشعبية التي كانت تضرب في مجالس الرجال، عند الإشادة بشجاعة أحدهم وشهامته وخلقه، فيمتدح كبير العائلة أحد شبابها بعبارةٍ، جرت مثلاً، استخدم في مفرداتها لفظاً عامياً شائعاً، يطلق على صدر المرأة الذي يرضع منه الصغير، ويعقب آخر على حسن منبت هذا الشاب بأنه "راجل من ظهر راجل"، ولم يقف أحدهم رافعاً كفه باعتراض، ومعلناً أن هذه الألفاظ تعتبر ذات إيحاءات جنسية، وبأنها مثيرة للشهوة مثلاً.
إذن، نحن أمام تغيّرات في طريقة التعاطي مع ما نرى وما نسمع، بعد ظهور التيارات الدينية المختلفة المنتشرة هذه الأيام، والتي خلطت الصالح بالطالح، والحلال بالحرام، فقد كانت مدينتي الصغيرة تحتكم، في فتاويها الشرعية، لإمام المسجد الوحيد، وقد هرع إليه أبي ذات مرة، وقبّل يده، وسأله عن جواز صوم أمي التي ابتلعت حبة الدواء، مع انطلاق صوت المؤذن. وارتاح أبي لفتوى الإمام بجواز صيام أمي. وهكذا عشنا مرتاحي البال، مطمئنين إلى صحة صيامنا، ولم نفعل كما يفعل الناس الآن بالاتصال بمفتي الفضائيات، وكل واحدٍ يُدلي بفتوىً مختلفة، ولم نشعر بالدوار والضياع، ونحن نبحث من خلال محركات البحث على الإنترنت، أو نستمع لرأي الأصدقاء الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
كان إعلان "الدندوه" مباشراً. ولذلك، كان الهجوم عليه صاعقاً، فيما حفلت إعلانات رمضان بالإعلانات ذات الإيحاءات الجنسية المبطنة، خصوصاً إعلانات الملابس الداخلية، ما يحدونا إلى أن نتساءل عن رد فعل المواطن المصري، لو أذيع إعلان "الدندوه" في فترة السبعينات، أيام التلفزيون الأبيض والأسود؟ فمع الأسف الشديد، وبعد الهجوم على هذا الإعلان، تم تصوير الشعب المصري الطيب الشهم صاحب الدم الحر بأنه شعب متحرّش، ويجب أن يحذف هذا الإعلان، لكي لا يزيد الطين بلة. في حين أن "الدندوه"، ببساطة، من الممكن أن يكون أية عادةٍ يجب الإقلاع عنها، أما سيئته الوحيدة فهي ترويجه حليباً صناعياً على أنه ينافس حليب الأم، في حين أن لا حليب يوازي حليب "دندوه الأم".
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...