تدمير قرية خان الأحمر –  مُعْجِزة في يهودستان

   دول أوروبية ذات شأن، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عملوا ما عليهم: استنكروا. على ما يبدو بلهجات شديدة أكثر من المعتاد، فقط آذان دبلوماسية يمكنها أن تسمع وتستوعب شدّة الاستنكار، مع أننا سمعناهم يستنكرون في الماضي. هذه  المرّة استنكروا الهدم الموشك والآتي لقرية الجهالين في خان الأحمر. هذا يعرقل السلام ويعرقل احتمال إقامة الدولتين، هذا ما ورد باحتجاج الاتحاد الأوروبي. ثمّة من يؤمن بالمعجزات، ويعتقد أن هذه الاستنكارات قد تُنقِذ القرية ومدرستها البيئية من شفرات الجرافات الإسرائيليّة. هل يمكن حدوث مُعْجِزة كهذه في يهودستان؟

    تُبْدي مطالبة الاتحاد الأوروبي بـ"السلام" وبـ"دولَتَيْن" شيئا من الإهمال، من الركاكة والكذب على النفس. كلمات السلام (الشعب الفلسطيني) ودوْلَتَيْن ليست موجودة في القاموس الإسرائيلي، المستعمل. من غير المؤكد إن كانت هذه الكلمات مرّة، من المؤكّد أنه ليس حسب التعريفات العالمية المستعملة في العصر الحاضر بالنسبة للسلام وللدولَتَيْن. إن وُجِدَت مرّة في القاموس الإسرائيلي، لكنها حُذِفَت منه في سنوات الـ 90.

    القاموس الإسرائيلي الرسمي طافح باصطلاحات أوجدتها أوروبا في أواخر القرن ألـ- 15 ورمّمتها وُفْقا للتطوّرات المختلفة للاستعمار الاستيطاني، الاستعمار الذي يطرد ويقتل السكان الأصليين ومَن يتبقّى يُسْتَبْعَد من الحل السياسي الذي يتبناه المستوطنون الجُدُد. وفي يهودستان يعتقدون أن ما أمكن لأوروبا أن تفعله حينئذ وحتى وقت قريب، يحقّ لنا أن نفعله اليوم وأمس.

     خلافا للطرد في عامي 48 – 49، يتحدّثون اليوم عن طرد عَلَني، على مراحل مدروسة مُسْبَقا منذ عشر سنوات، وقد توالى الطرد في الأسبوع الأخير وذلك مُصوَّر وموَثَّق في حسابات الواتس أب الخاصّة  لعشرات الصحافيين. دبلوماسيّون دوليّون مقيمون في القدس الشرقيّة وفي رام الله يعرفون تفاصيل رواية القرية البدويّة، القرية التي سكانها أحفاد المطرودين من النقب، يتابعون المسلسلات القضائيّة المتفرّعة أكثر من الإسرائيليين، المستفيدين من ثمار الطرد الجديد كما استفادوا من ثمار الطرد القديم. 

     ويعرف الدبلوماسيون أن الخان الأحمر ليس الوحيد: ومن المرشّحين للطرد أيضا سوسيا، زنوتا، قُرًى في منطقة يطّا وشمال الغور، وعشرات التجمّعات البدويّة ألأخرى في الضفة الغربيّة التي تُخطط الإدارة المدنيّة لاقتلاعها من مكانها بالقوّة وإلحاقها بمجمّعات فقيرة جديدة حيث يُدمّر فيها أسلوب حياة هذه التجمعات البدويّة. ثمّة دول تُشارك في تقديم المساعدات الإنسانيّة لهذه المجموعات، وتواجه السياسة الوحشيّىة الإسرائيلية التي تمنع المياه، الكهرباء والبناء، كي يرحل السكان "بإرادتهم". 

   بالضبط مع كتابة هذه الأسطر، يوم الإثنين قبل الظهر، أقامت الإدارة المدنيّة كرافانات في منطقة قريبة من المَزْبَلَة الكبيرة، المنطقة التي تخطط الدولة بنقل البدو إليها. أعِدّت هذه الكرافانات لتكون بديلا لمدرسة الإطارات. تَسْتَعمل المزبلة أيضا مستوطنةُ معاليه أدوميم، لأجل توسيع هذه المستوطنة، في نهاية سنوات ألـ 90، طُردت عشرات العائلات الأخرى من بيوتها. بالضبط مع كتابة هذه السطور يمنع رجال الشرطة الدخول إلى منطقة الخان الأحمر، كما فعلوا في الأيام الأخيرة. على ألأقلّ بعض من رجال الشرطة ينتسبون لشرطة معاليه أدوميم. 

   هل دول أوروبا، ومن ضمنها ألمانيا، يمكنها إحداث معجزة  في يهودستان؟ نعم، بوسائل أكثر توفيرا للأرواح  وللهدم من قصف بلغراد سنة –1999، مثلا،على جرائم الطرد التي تنفّذها يهودستان. يتحتّم على دول أوروبا التوقّف عن دعم الرغبة بالسلام غير الموجودة لدى الإسرائيليين، أن تعيد هذه الدول سفراءها إلى بلادهم والتشار بطرد السفراء الإسرائيليين من عواصمهم. يمكنهم منع إبرام مصالح مع شركات الهاي- تيك والبنوك، إذا كان لهذه المصالح فروع في المناطق المحتلة ومنع دخول سائحين إسرائيليين إلى أوروبا إلاّ إذا اثبتوا أنهم لم يشاركوا أبدا بجرائم حرب كجرائم الطرد والهدم وتخطيط مستوطنات أو مبان سكنيّة فيها. 

هآرتس، 10.7.2018                                          

ترجمة: أمين خيرالدين