الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

حلم الإعلام

الكاتب: تسنيم عبد الستار معابرة

أول سؤال بسألونا إياه وإحنا صغار: "شو بدك تصير بس تكبر؟" ومثل كثير أطفال بمثل عمري، كان الجواب: دكتورة. 

كنت بدي أصير دكتورة، وبعديها كبرت شوي وقررت أدرس هندسة، بعد كم سنة جذبني مجال الإعلام، قدرة الإعلاميات على الإقناع، أناقتهم، رزانتهم، أسلوبهم شدوني كثير، ومع مرور الأيام بلش هالحلم يكبر، ولقيت حالي بنجذب للكتابة والتصوير وبحب كل إشي إله علاقة بهالمجال. 

صحيح! أنا من عائلة من الطبقة المتوسطة، والدي بشتغل تاجر وإمي ربة منزل بسيطة، عندي أخ وأختين أكبر مني وأنا آخر العنقود، خواتي وحدة درست رياضيات والتانية درست عربي وتزوجوا وكمان صاروا ربات بيوت، أخوي كان أكبر مني ب 3 سنين، وبس تزوجوا خواتي ما ضل غير أنا وياه في البيت، وكنا على قولة إمي " متل الديوك"، كان من النوعية اللي بدها تفرض سيطرة وما كنا نتفاهم أبداً وصوتنا دايماً طالع لحد اللحظة اللي بيجي فيها أبوي على البيت، كان يخيم نوع غريب من الصمت على الأجواء، وأنا أنسحب بكل هدوء على غرفتي بدون ما حتى أناقش أو أدافع عن حقي أو أفتح الموضوع، لأنه أبوي دايمًا بصف إبنه الوحيد، عمره ما أنصفني، وشو ما حكيت ما رح يقتنع. 

كنت بحب ألعب بالحارة كتير لحد ما صار عمري 14 وفجأة صار هالإشي ممنوع "لأني بنت"، ما كنت مستوعبة السبب وقتها، وبعدين سمعت هالكلمة كتير: 

- بدي بسكليت
* لأ، إنتي بنت 
- بدي أطلع عند صاحبتي 
* لأ، إنتي بنت 
- بدي ألعب كرة قدم 
* لأ، إنتي بنت 
* بدي آخد دورة رسم بعد المدرسة
- لأ، إنت بنت، وكل مرة كان الجواب: لأ + إنتي بنت.

ما بحكي إنه كان ناقص علي إشي، أي إشي بطلبه كان يوصل لعندي، موبايل، لابتوب، أواعي، مصاري، كان أي شي "مادي" يوصل لعندي بمجرد ما أطلب، بس كنت بفتقر لنوع من التواصل الإنساني مع أهلي، كنت محتاجة أقعد معهم آخر كل نهار وأحكيلهم عن يومي وأتناقش معهم بأي إشي، سياسة إقتصاد طبيخ البيت.. أي إشي. 

كنت بمجرد ما يوصل والدي على البيت أنسحب بهدوء لغرفتي، ويمكن هاد اللي خلا حياتي تقتصر على الكتب والقراءة، كنت قبل ما أوصل الصف العاشر قارئة كل كتابات داون بروان وألكساندر دوماس وغسان كنفاني وإبراهيم نصر الله ورضوى عاشور. 

كان في مكتبة قريبة من بيتنا، وكنت أستعير كتب من بنت عمي، بنت عمي كان عندها كلشي ناقصني. كنت أغبطها على طبيعة العلاقة اللي بتربطها مع أهلها، يجي أبوها بعد المدرسة يروحها ويطلع معها على معارض رسم ومعارض كتب وأمسيات ثقافية وكان يشجعها تعمل الإشي اللي بتحبه وبدها إياه، وكانت علاقة والدي مع عمي ضعيفة بسبب هالموضوع. بقدر أقول: اختلاف اهتمامات. 

في يوم من الأيام، كنت قاعدة بغرفتي، وبقرأ كتاب بعنوان "الله والإنسان" دخل علي أبوي، وقعد عندي وسألني لأول مرة بحياته شو بتقرأي! جاوبته وحكالي "الله يهديكِ بس، قومي سويلك إشي مفيد بدل هالهبل.. روحي ساعدي امك بالجلي!"!

بعدها دخلت إمي عندي وسألتني شو حكيتي لأبوكي لأنه طلع معصب من عندك، مع إني ما حكيتِ إشي !! الكتب صارت هبل؟ الثقافة صارت هبل؟ العلم صار هبل؟ 
خلصت توجيهي وجبت معدل 93 وبنت عمي جابت 94 ومع إنه معدلها عالي إلا إنها قررت تدرس فنون وأهلها دعموها وأنا كنت بدي أدرس صحافة وإعلام. عملنا حفلة وفرحوا القرايب وباركوا واشتغلت حفلات النميمة والغيبة والتكهنات بطريقة دراستي اللي خلتني أجيب معدل عالي وبعد يومين من الضجة والزيارات والمباركات إجت لحظة الحقيقة والسؤال اللي لا بد منه، بمحض الصدفة وخلال جمعة عائلة، انطرَح هالسؤال من عمي، ولقيتْ أبوي وأخوي بجاوبوا عني أبوي بحكي وأخوي بأيد فيه:
- بدنا ندرسها فيزيا أو كيميا، هيك إشي عشان تشتغل معلمة، بتعرف يا أخوي البنت أحسن شغل إلها تكون معلمة.

الكلمات كانت متل الصاعقة، لقيت حالي صافنة فيهم وبحكيلهم لأ! كانت لأول مرة بحكيلهم لأ على إشي! لأ، بدي أدرس صحافة وإعلام!

وانطلقت ضحكة طويلة من أخوي المهندس فخر العيلة، وكملها بكلام وسخرية قدام كل الموجودين. وقتها استفزني، وقدام الكل ولأول مرة بحياتي بنفجر فيهم بهالشكل، ما بكيت وما صرخت، كل الساعات اللي وقفتها قدام المراية أتدرب على كلام الإعلاميات طلع بهاللحظة: 

- من متى بتقدر تقرر عني، من متى إلك سلطة على حياتي، مين أعطاك الحق تختار التخصص اللي بدي أدرسه وأشتغل فيه، ومين حكالك أصلاً إني بدي أكون معلمة، رح أدرس التخصص اللي بدي اياه واللي هو صحافة وإعلام أو ما رح أدرس أبدًا. 

ومين حكا إنه مهتمين بدراستك أصلاً، يا بتدرسي زي الخلق يا خليكِ قاعدة في البيت زيك زي الخزاين والحيطان، وبكرة بيجي ابن... حلال يريحنا منك. 

ومع أول كلمة طلعت مني عشان أرد على هالكلام، ضربني كف قدام الكل، وبنفس اللحظة ولأول مرة بحياتي بسمع إمي بتصرخ عليه، وجبرته يتأسف مني قدامهم، وأنا كنت مصدومة، كنت مش مصدقة اللي بصير معي، كان الموقف كله متل واحد من المواقف والسيناريوهات الكتيرة اللي رسمتها براسي طول سنين وسنين.

إمي البسيطة الطيبة، اللي ما بطلع صوتها على حدا واللي كانت دايماً تصف بجنبهم وما عمري توقعت إنها تدعمني بقراري، أو تشجعني حتى لأدرس تخصص متل تخصصي وأكمل فيه.

وما كنت أعرف إنها عندها قدرة تقنع والدي كمان، بهديك الليلة، ولأول مرة من سنين نمت بحضنها وبكيت، بكيت كتير، من الصدمة ومن الفرح ومن تأنيب الضمير وكل مشاعر العالم كانت بتتحرك جواي متل إعصار، يومها حكتلي إمي عن حالها ولأول مرة بتفتحلي قلبها، حكتلي إنها كانت بتحب الرياضيات ونفسها تدرسه من زمان وكانت بتحلم تكمل دراستها، وهي صغيرة طلعتلها منحة رياضيات بجامعة بعيدة عنهم، وجدي ما خلاها تسجل فيها -لأنها بنت والجامعة بعيدة- و حتى بعد 20 سنة على القصة، ما نسيت وكل يوم كانت بتسأل حالها لو درست وعملت الإشي اللي بتحبه، حياتها كيف كانت رح تكون ؟

اليوم هو أول يوم دوام إلى كإعلامية في محطة محلّية، هي محطة صغيرة، ومبسوطة كثير، لإنه الأشياء الكبيرة والعظيمة بتبدا من موقف شجاع! ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
* فازت هذه القصة بالمركز الثاني في مسابقة قصتك في بير صيف هذا العام

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...