الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:44 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

تــدريــب مــنــزلــي

الكاتب: زياد خدّاش

في حكايتنا القصيرة هذه امرأة وثلاثة رجال، هزة رأس وابتسامة وسر، رجل الأمن الكبير الذي يمر موكبه في الصباح الباكر عن بياع القهوة المتجول، بياع القهوة الذي يهز رأسه كلما مر رجل الأمن الكبير، سر كبير بين الاثنين، لن يعرفه سواهما، الموكب يمر سريعا، والبياع المتجول يتحرق شوقا للإجابة عن سؤال يبطحه كل يوم: لماذا تسرع سيارات رجال الأمن في الصباح الباكر وفي مدينة لا زحام مارة أو سيارات فيها؟، الرجل الكبير لا يميل رأسه لينظر، هو يجلس بعنق ثابتة، كالصنم في المقعد الخلفي، يقوده سائق متجمد، خلف سيارته سيارتان وأمامها سيارتان،

وبين عجلات الخمس سيارات، كانت هزة رأس بياع القهوة تتمزق، وتتناثر في ريح المدينة، واضح أن الكبير في مهمة، ومهمته تشغله عن النظر إلى أشياء المدينة، ولكن  لماذا يجب أن ينظر رجال الأمن الكبار لبياعي القهوة  المتجولين مثلا؟. خاطب بياع القهوة نفسه ساخرا.

- نفسي أعرف ليش بتبتسم وبتهز راسك يا أبو محمد لما يمر هالموكب؟ يسأله بياع الجرائد. لا يرد أبو محمد ويواصل صب القهوة من دلته النحاسية لزبونه المتكرر منذ عشرين عاما، مدرس اللغة العربية في إحدى المدارس الحكومية.

في البيت مساء، جلس بياع القهوة يستريح مع زوجته على (الجنبية) من عناء دسك فظيع ومئة فنجان تقريبا.

- طب ليش ما أشرتله من بعيد يمكن ما شافك؟

أنت مجنونة يا مرا، شو أأشرله، مش عيب عليّ زلمة عمري في الستين أقعد اتنطط قدام موكب حكومي!

- طب والحل يا زلمة بدنا تحويلة لعملية ظهرك، ما خلينا واسطة الا رحنالها.

خايف ما يكون مذّكرني؟ بس أنا كنت معاه بخلية وحدة ولما طخينا على اليهود، اتصاوب هو وأنا حملته على ظهري، لمسافة ثلاث كيلو، بس هذا كان قبل ثلاثين سنة معقول مذّكرني؟

- ومش بس هيك، إنتو كنتو في غرفة وحدة في السجن، ناسي؟ وكان يضل يحكيلك أنت أنقذت حياتي.

لا مش ناسي وأنا وإياه كنت انحب غسان كنفاني وميخائيل شلوخوف. بس معقول مذكرني؟. 

في اليوم الثاني، كان بياع القهوة يفكر في كلام زوجته، لماذا لا أقف أمام الموكب، وأجبره على التوقف، سيهبط رجل الأمن الكبير غاضبا، وحين يراني سيتفاجأ وسيأخذني بالأحضان، وسيصيح بي (وينك يا زلمة من زمان بدور عليك والله،) شأشرح له قصة التحويلة، وسيتصل فورا بالمسؤولين، وينهي قصة وجعي. 

ارتاح الستيني للفكرة، لكنه قرر قبل تنفيذها أن يتدرب على حركات القفز والتلويح، صار يصحو مبكرا جدا ويحضر إلى الشارع، يقف في منتصفه ملوحا بيديه بقوة وقافزا مثل راقص ثمل، الذين شاهدوه ممن يعرفونه اعتقدوا أنه فقد عقله، آخرون ظنوه سكرانا، والبعض خافوا منه وابتعدوا شاكين بأنه "مُستعرب" يترصد بالمناضلين، لم يكترث بياع القهوة لكل الظنون والشكوك والاتهامات، وظل يتدرب على مدار أشهر طويلة في البيت والشارع، وفي كل مرة كان يحس أنه أتقن القفزة والتلويحة كان يتراجع خوفا من الفشل.

على فراش المرض بعد سنوات كان الستيني يتوسل لزوجته، بأن تنهضه ليقفز القفزة الأخيرة، ويلوّح التلويحة الأخيرة. حاول أن يقنعها أنه سيكون التدريب الأخير.

في الصف، واصل مدرس اللغة العربية سرد القصة خاتما إياها بسؤال: استخرج من القصة عشرة أفعال، وستة أسماء، وخمسة مصادر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...