الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

أن تكون طيباً

الكاتب: سما حسن

من خلال دراسة أجريت ما بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة تبين أن الأشخاص الطيبين واللطفاء لديهم الاستعداد ليصبحوا مفلسين لأنهم يتنازلون عما في جيوبهم بسهولة.

 وكشفت هذه الدراسة أن الأشخاص اللطفاء غالبا ما تكون حافظات نقودهم خالية لأنهم يقرضون المال للآخرين، ويقفون مع البعض الآخر في ازماته المالية لدرجة أن تصبح الديون عبارة عن هبات غير مستردة.

 والملاحظ من خلال هذه الدراسة أن الأشخاص الطيبين واللطفاء يتعرضون للاستغلال، ولا يستطيعون أن يقيموا علاقة الند بالند، فهم مثلاً لا يجدون من يقف معهم في أزماتهم المالية.

 اشتكت لي صديقة تحتل منصبا مرموقا ولديها راتب كبير أنها قد درات على كل الأصحاب والمعارف وحتى الأقارب من الدرجة الاولى من أجل أن تحصل على قرض مالي صغير يفك أزمة عصفت بها بعد أن قامت بعدة مشاريع خاصة بأولادها ومنها التعليم والزواج، ولذلك فهي ترى أن هذه الازمة الاولى التي تمر بها ولكنها كشفت معادن البشر أمام عينيها، قد كانت تعتقد أنها بمجرد أن تطلب من أحدهم مالاً على سبيل القرض فلن يتردد في ذلك، لأنها فعلت ذلك عدة مرات في سنوات خلت دون تردد.

 صديقتي الطيبة القلب تشعر بالألم لانها فكت أزمة الكثيرين، ووقفت إلى جوارهم لدرجة أنها لم تدخر يوما للمستقبل، بل كان مالها ملكاً لمن حولها، فهذا يستدين لتعليم ابنه، وآخر يستدين ليبني بيتاً، ولكنها كانت ترى أن مال الله للناس، وأن هذا واجبها، ويبدو أنها لم تسمع بالمثل الذي كان يردده والدي دائما: قرشك بيطلع يضحك، وبيرجع يبكي".

 والحقيقة أننا حين نقرض الآخرين فهم يشعرون بالفرح والسعادة وتبدأ جسور المودة والمجاملة بيننا، ولكنها تنتهي وتنهار بمجرد أن نبدأ المطالبة بحقوقنا، أو إذا ما حاولنا أن نتبادل الأدوار ونطلب قرضا أو ديناً منهم.

بعض الناس يضعون أموالهم في خانة المحرمات، ويرون أنهم بؤساء ولا يملكون شيئاً لكي يعطوه للآخرين، ويستمرون في دور المحتاجين لكي لا يتلفت من حولهم لهم، ويوحون للجميع بأن ما ينفقونه أكبر مما يحصلون عليه، وبالتالي على الجميع عدم الاقتراب من هذه المناطق المحرمة وهي اقتراض المال، ويبدو أن هؤلاء الأشخاص لا يحملون قدراً من الطيبة أو اللطف، بل هم أنانيون وخبثاء ولكنهم يصبحون اثرياء ولا يقعون بأي ضائقة مالية في حياتهم.

 تشير الدراسة الأميركية البريطانية إلى أن الأشخاص الذين يخرجون ما في جيوبهم بسهولة هم من الأشخاص الذين تهددهم الضوائق المالية دائماً، وهم من الأشخاص الذين يتأثرون بشكوى قريب أو استجداء صديق بسهولة، ورهافة حسهم توقعهم دوماً في طائلة العازة لأن مالهم ليس لهم.

 تقول إحدى الحكم القديمة "اللي بدو يطلق بنته، يداين جوزها" وتقول أخرى "إذا أقرضت صاحبك مالاً فسوف تخسر الاثنين"، ويبدو أن الدراسة الحديثة أضافت لذلك نتيجة سيئة وهي أنك ستبقى في ضائقة مالية أبد الدهر بسبب اقراضك للآخرين.

 ويبدو أن الحل الأمثل لكي لا يستغل الآخرون طيبتنا ولطفنا أن نبقى في الجانب الآمن من العلاقات، لماذا علينا أن ندخل المال في كل علاقة حتى تفسد، لماذا لا نترك مساحة ليكون هناك مكان للمحبة والمودة الخالصة بدلاً من اقتراض المال؟

في الواقع أن الكثير من العلاقات قد انتهت بين الزملاء في العمل بسبب الاقتراض والديون من بعضهم البعض، وكان من الممكن أن تتسمر، والكثير من الزيجات قد انتهت بالطلاق بسبب المال، ولذلك فالمال هو سبب كل ألم يحل على مجتمع ما يحاول أن يكون إنسانياً خالصاً.

 ربما مرت أيام العيد السابقة وسمعت شكوى من ربات بيوت بأنهن قد تبرعن بأموال لصديقات وقريبات اشتكين من ضيق الحال، والنتيجة أنهن لم يتمتعن بالعيد، ولم يخرجن للتنزه أو لم يقمن بشراء الملابس لأطفالهن أو أنفسهن، وفي المقابل فمن اقترضت المال من كل واحدة أمضت عيداً سعيداً، ومعظم هذا المال يتحول على سبيل الهبة أو الصدقة أو الزكاة، أو تحت بند "هية ناقصها فلوس"، وهكذا اشتكت الكثيرات بأن طيبتهن أضرت بأولادهن وبأنفسهن لأن من حولهن أحسن استغلال هذه الطيبة. 

يبدو أن التسول في الشوارع صورة مصغرة لما يحدث على أرض الواقع، فاستغلال الطيبة والدعوات المكررة والمنسوخة "ربنا يعطيك ويرزقك وينجحك" والى آخره من هذه الديباجة التي تمس المشاعر الطيبة يستغلها أيضا أقرب الناس إلينا ونقع ضحية لها وندفع ثمنها غالياً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...