الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

بين الطب والمقاومة

الكاتب: زهير الدبعي

٦ - من الدروس الأولى التي يدرسها طلبة الطب في كل جامعات العالم علم التشريح الذي يعني أن يكون الطبيب عارفاً معرفة تامة ودقيقة بكل عظمة وعضلة وغدة ومربط ومكون وعضو وجهاز في جسم الإنسان.

في المقابل، يتعين على المقاوم أن يدرس خصومه أو أعداءه دراسة عميقة جدية دقيقة وتحديث التغيرات والمعلومات بصورة يومية. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى تفوق المشروع الصهيوني علينا في الدوائر والمراكز التي تدرس كل تفصيلات وميادين وطننا وحياتنا وذهنيّتنا وثقافتنا وتاريخنا، هذا التفوق كان من العوامل التي ألحقت بنا مزيدا من الخسائر والهزائم والتراجعات. فقد بدأ المشروع الصهيوني فكراً وخططاً ودعماً ومساندة بالصهاينة المسيحيين – وسيدنا المسيح عليه السلام والمسيحية منهم براء –بتأسيس (صندوق استكشاف فلسطين) في لندن العام 1865 برئاسة رئيس أساقفة يورك. وهدف الصندوق هو البحث وفق منهج دقيق ووثيق في آثار فلسطين والطبوغرافيا والجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية والتاريخ الطبيعي وعادات وتقاليد. وصدر مع الخرائط (15) مجلداً تشمل الجيولوجيا والنبات والحيوان والطير والمياه. وكان صندوق استكشاف فلسطين هو البداية لمنظومة كبيرة من الدوائر الجامعية ومراكز بحوث تابعة للجيش وأخرى للوزارات، وللأحزاب والهستدروت. وكان يحسن بنا الالتفات الجدي للدراسات والمعلومات والاستفادة من فئات الخبراء العرب في الساحل والنقب والجليل. وتأسيس المركز الفلسطيني للدراسات الفلسطينية في رام الله (مدار) إنما هي خطوة بناءة ومتواضعة جميل أن تتلوها خطوات أعمق وأكثر جدية.

٧ - مثلما يواجه الأطباء تحديات تطوير الفيروسات لذاتها، فإن المقاومين يواجهونما يقوم به الغزاة المحتلين من تطوير أنفسهم ليس في حقلي القوة العسكرية والمعلومات فحسب، وإنما في حقول أخرى، من أهمها استغلال المتغيرات في العالم وانحرافه نحو مزيد من القسوة والاستكبار، وتطوير قدرته على جعل مكونات أمتنا في حالة تناطح وصراع بهدف إحداث مزيد من التجزئة التي تصل إلى درجة الحروب الأهلية وتأجيجها وإدامتها. وكذلك تطوير قدرتها على فرض روايتها الطافحة بالزيف والخرافات والأساطير وصولاً إلى التدخل في هوية الأمة ليصبح الأخ عدواً ويصبح الغازي المحتل صديقاً أو حليفاً ومنقذاً.

٨ - مثلما يحذر الأطباء من المخدرات والتدخين والكسل والغذاء غير الصحي لأنها تضعف جهاز المناعة وتجعل جسم الإنسان عرضة للأمراض الفتاكة، فإن المقاومين يجب أن يحذروا من الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية والفساد والقطرية المفرطة، والخطاب الديني الملوث الذي يحقن الناس بأسباب الفرقة والصراع الداخلي، وعليه فإن دور الطبيب والمقاوم دوراً مشتركاً من حيث تقوية عوامل صحة الإنسان بمعناها الواسع وليس غياب المرض فحسب وإنما كذلك المناعة وتوفر الأجواء الصحية التي تمنع تسلل المرض ومن حيث عوامل قوة الوطن وقوة الشعب والأمة بمعناها الواسع.

٩ -يسعى الطب إلى حماية الإنسان من الأمراض التي تفتك بمكونات الإنسان الثلاثة وهي: الجسم والعقل والنفس. وبالمثل تعمل المقاومة على مواجهة ما يقوم به الظالمون والغزاة المحتلون من استهداف جسم الإنسان بالقتل، واستهداف عقله بالجهل والتخلف، واستهداف نفسيته باليأس والإحباط وتحطيم الروح المعنوية. فالأطباء لا يجتهدون لحماية الجسم من الأمراض فقط وإنما حماية الإنسان من الأمراض العقلية والعصبية والنفسية، وهو ما يقوم به المقاومون من مقاومة ما يخطط له الظالمون من إبراز الجهلة والأميين المقنعين والفهلويين، وكل الذين يجهلون أن القراءة اليومية وتطوير تفكيرنا هي ضرورة لا تقل عن الغذاء والماء، وفي الوقت ذاته تحصين المواطن بالوعي والمعرفة و والاخلاص والتفاني، وضمان قدرته على الجهد الجماعي والعمل بروح الفريق والأداء المؤسسي والإدارة الرشيدة.

١٠- يشدد الأطباءعلى ضرورة الفحص الدوري للذين يعانون من أمراض مزمنة وللذين اجتازوا العقد الخامس وذلك لرصد المتغيرات التي تحدث في الجسم، وبالتالي إعطاء الفرصة للسيطرة عليها. والفحوص الدورية والمراجعة اليومية لأدائنا المقاوم هو واجب وضرورة من خلال المؤسسات وبمشاركة مفكرين ومثقفين وإعلاميين انطلاقاً من حقيقة أن المقاومة مقدسة، أما المقاوم فهو غير معصوم عن ارتكاب الأخطاء التي تعمل المتابعة والمراقبة على عدم استفحالها وتراكمها لدرجة تفرض إفرازاتها السلبية وتحقننا بالضعف والهوان لتنتج مزيداً من الهزائم والتراجعات.

١١- الخطوة الأولى في عمل الطبيب هي التشخيص الدقيق الذي كان في الماضي يعتمد على مشاهدات الطبيب وحذاقته وخبرته، وبالتالي كان أكثر الأطباء حذاقة وخبرة معرض لخطأ التشخيص،مما يؤدي إلى اللجوء إلى تغيير الوصفة الطبية،الأمر الذي قد يعرض المريض إلى معاناة إضافية. ونجح الطب في تحقيق إنجازات كبيرة في تشخيص المرض من خلال مئات التحاليل للدم ولغيره من السوائل في الجسم وإفرازاته، كما نجح الطب في اختراع أجيال من آلات التصوير التي غدت قادرة على تشخيص الأعضاء والخلايا بدرجة دقيقة جداً، فضلاً عن النجاحات في اختراع أجيال من الأجهزة والأدوات للتشخيص والجراحة التي كانت مستحيلة قبل عقد واحد. والمقاومة يجب أن تحرص على التشخيص الدوري لخصومها أو أعدائها لرصد التغيرات ومتابعة دقيقة عميقة لنقاط ضعفهم وقوتهم وآثار ذلك على أدائها وعلى القضية التي تناضل من أجلها.

١٢-أول ما يحرص عليه الطبيب وقف نزيف الجرحى والمصابين، وبعد وقف النزيف يعمل الطبيب الخطوات التي تليها. وقد أدرك الطبيب حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد 1991 والمفاوضات التي تلته أن الأولوية هي وقف الاستيطان إذ كيف تتفاوض على حرية وطن ومصيره بينما لا تكف يد الاحتلالعن مواصلة قضمه اليومي وابتلاعه. كما أكد الدكتور حيدر عبد الشافي في كل المواقف والمناسبات على "أن المستوطنات يجب أن تأخذ الأولوية في جدول أي متحدث من المحتل الإسرائيلي". يا ليتنا أدركنا حقيقة أن بديهيات الطب وأولوياته هي ذاتها بديهيات المقاومة وأولوياتها لأن هدف الطب والمقاومة هو هدف واحد: التخلص من الأوجاع وحماية الحياة، ولا حياة مع استمرار النزيف.

١٣- الطب لم يعد أسرار وتمائم وطلاسم وشعوذات يحتكرها الكاهن، فقد جرى تحرير الطب من احتكار الدجالين ليصبح عِلماً ومعرفة ومهارات وخبرات تجيدها أجيال من الأطباء والطبيبات في عدد كبير من التخصصات. وكذلك المقاومة فهي ليست (علامة مسجلة) لقبيلة أو عدة قبائل، فالقبائل مهما اتصفت بكل السجايا الحميدة فإن الأمة أبقى وكذلك معسكر المقاومة الذي لا تحده حدود ولا جنسيات ولا مذاهب أوسع من أن ينحصر في جهة أو جهات دون غيرها.

١٤- لا تكون مقاومة الأطباء للألم والشيخوخة المبكرة والأمراض فعالة بدون وعي ومشاركة الإنسان بالتغذية المناسبة والابتعاد عن التدخين والإدمان على الكحول والمخدرات والتحرر من الكسل والإفراط بالطعام،فكل جهود وجهاد الأطباء والطواقم الطبية لن تكون مجدية ومثمرة بدون وعي وتعاون والتزام ليس الفرد فحسب، بل والمجتمع أيضاً،إذيمكن لأحمق أو مستهتر واحد أن يهدم جهود الأطباء وجهادهم في محاصرة الوباء. وكذلك فإن المقاومة ليست حرفة ولا تخصصلعدد من المتفرغين لأنها جهاد والجهاد عبادة، ولا يجوز أن تصبح الصلاة والصيام حرفة لعدد من المواطنين. وكلما أدرك كل مواطن مسؤوليته في المقاومة وحرصه على القيام بواجبه فإن المقاومة تغادر الهوامش الضيقة إلى الأفق العام، وهذا هو معنى المقاومة الشعبية بانخراط كل الشرائح والأطياف والأوساط والفئات العمرية في الفعل اليومي المقاوم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...