الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:28 AM
الظهر 12:23 PM
العصر 3:32 PM
المغرب 6:02 PM
العشاء 7:17 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

رزق الغلابة

الكاتب: سما حسن

لسبب وحيد تجد نفسك إن كنت غير معني بالمظاهر داخل أحد المولات الضخمة في مدينتك، فأنت تريد ان تشتري كل شيء من مكان واحد أو تحت سقف واحد حسبما يروج في الاعلانات لهذه المراكز التجارية الضخمة، والتي تجد فيها فعلاً كل ما تريد من أغراض واشياء متنوعة مثل الخضروات والفاكهة واللحوم ومواد التنظيف ومستلزمات المطبخ مثل البقول والسكر والأرز وغيرها وغيرها، مما تتعب وأنت تعد وتحصي ثم تكتشف أنك سوف تجد كل شيء فعلا.

السبب الوحيد بالطبع كما قلت فأنت ما زلت تعلن عن نفسك أنك لا تحفل بالمظاهر، ولست ممن ينشرون صورهم وهم يتسوقون ويروجون لبضاعة ما مثلا، أو لكي يوحوا لمن حولهم بأنهم اثرياء، فهناك رابطة كبيرة بين المولات والثراء، ولكن السبب أن الوقت لديك يكون قصيراً، وربما كنت متعباً لا تستطيع التجول واللف والتنقل من محل لمحل.

وهكذا وجدت نفسي في يوم حار بل شديد الحرارة قبل يومين بالتحديد داخل أحد المراكز التجارية الضخمة التي بدأت تنتشر بشكل ملحوظ في قطاع غزة، وحين كنت في قسم الخضروات، تناولت حزمة من البقدونس ووضعتها في السلة الضخمة، وكذلك حزمة من النعنع، وأمام « الكاشير» كانت الصدمة فكل حزمة يبلغ ثمنها شيكلاً، وقد تركت الباعة الصغار أمام باب المول ينادون بأعلى صوتهم» اربع ربطات نعنع بشيكل».

لم أتراجع بالطبع أمام موظف الكاشير الشاب، ولكني تساءلت عن سبب الفارق في السعر، وحزمة البقدونس التي اشتريها بشيكل واحد كانت تحتوي على عدة عروق من البقدونس يمكن عدها بسهولة، فيما تركت ايضا حزمة كبيرة مكتنزة العروق في الخارج وبنفس السعر.

لم أتراجع كما اخبرتكم، ودفعت ثمن ما اشتريت من مشتريات قليلة وغادرت، وكنت أشعر بتأنيب الضمير لأني معتادة على شراء هذه الخضار الرخيصة من الباعة الصغار، ولدي ذلك الضعف الانساني أمام النساء الطاعنات في السن واللواتي يفدن من القرى المجاورة لكل مدينة ضخمة ويفرشن خضارهن وأعشابهن الطبية التي تفوح منها رائحة الأرض الخصبة النقية، وينادين على بضاعتهن المتواضعة.

لدي هذا الضعف لدرجة أنني اقف ولا اجادل ولا اساوم، وفي بعض الأحيان قد اتناسى قطعة نقدية صغيرة واتركها للبائع الصغير الذي يقطر جبينه عرقا، وقد اتناساها مع سيدة عجوز سرعان ما تكتشف ذلك وتنادي علي وأنا اغادر «بسطتها» المتواضعة ولكني استدير واشير لها بيدي بمعنى أنني لا أريدها، وأختفي سريعاً في الزحام لكي لا أترك لها فرصة لكي تحلف وتقسم أنني يجب أن أعود وهي لا تقوى على النهوض.

ان ما افعله واتحدث عنه بكل تفصيل هو ما يجب ان نقوم به اتجاه هؤلاء البسطاء، ولا يجب أن نبخسهم بضاعتهم، ولا أن نساومهم ولا أن «نتشطر» عليهم، وكان من باب أولى أن نعترض على من عدوا وريقات البقدونس في داخل المول الضخم.

هؤلاء الغلابة الذين يبحثون عن رزقهم ويأتون بعد تعب ومشقة من أماكن بعيدة حاملين خيرات الأرض، واحياناً هم يحملون بضائع رخيصة مثل علب الكبريت والولاعات، والبطاريات الصغيرة وغيرها بل وقناني العطر الزيتية وأعواد السواك والبخور وغيرها، هؤلاء يجب أن نساعدهم ونتلقف ما يحملون، ولا نتركهم يريقون ماء وجوههم على الأرصفة وهم يلاحقون المارة ببضاعتهم.

ربما حين نساعد هؤلاء الغلابة فنحن نقلل من عدد المتسولين، ونقلل ونحجم عدد الحاقدين على الناس التي تمتلك بعض المال من الطبقة المتوسطة. فهذه الطبقة الصادقة المكافحة هي طبقة مسحوقة ولديها التزامات تليق بتعبها وبكدها، وعلينا أن نعطيهم لكي تفتح لنا أبواباً مغلقة، فلا تدري أي عمل طيب قد يزيل عنك غمة ويفرج عنك كرباً.

الغلابة هم الذين يستحقون أن ننحني أمامهم ونقبل اياديهم المجعدة والمغبرة، ولا أحد غيرهم يستحق أن نشد من أزره ووقوفنا أمامهم وشراء بضائعهم مهما كانت هو أقل القليل من واجبنا نحوهم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...