الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:10 AM
الظهر 11:44 AM
العصر 3:15 PM
المغرب 6:02 PM
العشاء 7:18 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

معاداة السامية: الادعاء الذي فقد صداه

الكاتب: سنية الحسيني

رغم الزلزال الذي ضرب إسرائيل بقرار شركة «بن آند جيري» الأميركية لمنتجات الألبان والآيس كريم، بوقف التعامل مع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنه مجرد بداية لقرارات مشابهة قد تتبع، ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضاً في أوروبا.

إن قرار هذه الشركة وشركات أخرى لاحقة ما هي الا انعكاس لتطور مهم يحدث في الولايات المتحدة، يفسره التحول في مواقف جهات مركزية أميركية فاعلة ومؤثرة على الساحة السياسية، على رأسها الكنائس، والتي باتت لا تتحمل عبء دعم الاحتلال الصهيوني وممارساته، وبات الفصل واضحاً اليوم ما بين انتقاد الاحتلال وما بين مساندة اليهود، فانتقاد إسرائيل لم يعد يمثل جريمة معاداة السامية التي طالما روجت لها إسرائيل واستخدمتها لردع أي انتقاد لها كدولة احتلال. في عالم الانترنت والتواصل عبر الأقمار الصناعية، وفي عالم بات ينتقل فيه الخبر والصورة عبر العالم في أقل من الثانية، وفي عالم لم تعد اللغة عائقاً للتواصل ما بين شعوب الأرض، لم تعد جرائم إسرائيل خفية أو متوارية عن عيون الآخرين.

في تطور لافت جاء خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة ما بين القدس وغزة، عمت جميع أرجاء الولايات المتحدة، كما عمت أنحاء أخرى عديدة من أنحاء العالم، احتجاجات واسعة مناهضة لإسرائيل في شهر أيار الماضي. لحق ذلك التقرير واسع الصيت الذي صدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، المنظمة الأميركية شبه الحكومية، والذي وجه إدانة صريحة لدولة إسرائيل بوصفها نظام الفصل العنصري. جاء ذلك في إطار تحرك واسع لهيئات ومنظمات أهلية أميركية وأوروبية أيضاً، ضد ممارسات الاحتلال الصهيوني وسياساتها عموماً ضد الفلسطينيين. إلا أن التطور الملفت جاء من قبل مؤسسات ولجان الكنائس المسيحية الأميركية، إذ دعا مجلس الكنائس العالمي الحكومة الإسرائيلية لتجميد البناء في المستوطنات في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة كخطوة باتجاه تفكيكها، مؤكداً أن وجود نحو ٢٠٠ مستوطنة إسرائيلية، تضم أكثر من ٤٥٠ ألف مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتعارض مع السلام.

إن ما يحدث في الولايات المتحدة من تحولات يثير الفضول بشكل كبير، خصوصاً عندما نتحدث عن الافنجليكلز، أو أتباع الكنيسة الإنجيلية الصهيونية، أكثر التيارات البروتوستانتية تطوفاً في دعمها لإسرائيل وأكثر التيارات الدينية تنظيماً على المستوى السياسي في الولايات المتحدة، والذين يشكلون ما بين ٢٥-٣٠٪ من سكانها. ويؤثر الافنجليكلز بشكل كبير على صانع القرار الأميركي في البيت الأبيض وفي الكونغرس فيما يتعلق بدعم إسرائيل، فقد أيد على سبيل المثال الرئيس الأميركي ويلسون وعد بلفور بضغط منهم، كما أقر الكونغرس قانون عام ١٩٣٣يمنع الولايات المتحدة من استقبال اليهود المهاجرين من أوروبا في خلفية اضطهادهم، حتى تصوب هجراتهم إلى فلسطين. ونجح هؤلاء ومنذ عقد الثمانينات بضمان دعم الإدارة الاميركية بشكل كامل ومنتظم ومبرمج لصالح إسرائيل.

هذا التيار الديني الذي طالما دعم إسرائيل سياسياً وضغط على الحكومة الأميركية لاتخاذ مواقف داعمة لإسرائيل، يشهد تحولات جذرية. في عام ٢٠١٨، وصل دعم الافنجليكلز لإسرائيل من شريحة الشباب التي تتراوح أعمارهم ما بين ١٨ – ٢٩ عاما إلى ٧٥%، بينما لم تصل نسبة دعمها للفلسطينيين إلى ٣٪. اليوم نشهد تغير الحال، اذ أشار استطلاع للرأي أجرى مؤخراً أن حوالي نصف هؤلاء يدعمون اقامة دولة فلسطينية، وصوتوا لصالح الرئيس الأميركي جو بايدن على حساب الرئيس السابق دونالد ترامب، وبات ٣٣٪ منهم يدعم إسرائيل، في حين ارتفعت نسبة دعمهم للفلسطينيين إلى ٢٤٪. ويشكل هذا التحول المهم في موقف الافنجليلكز، خصوصاً شريحة الشباب منهم، تجاه فهم طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مدخلاً ومقدمة مهمة لتحولات مستقبلية ممكنة من قبل صانع القرار الأميركي لصالح القضية الفلسطينية.

هذا التحول المهم والخطير الذي جاء على مستوى أتباع الكنيسة الانجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة «الانفجليلكز» لم يكن منفرداً، فقد جاءت تحولات مشابهة في مواقف لكنائس أخرى في الولايات المتحدة. صوتت لجنة الاستثمار التابعة للكنيسة البروسبيتارية مؤخراً بالأغلبية على سحب استثماراتها من ثلاث شركات أميركية تتعامل مع الاحتلال. وسحبت الكنيسة الميثودية استثماراتها من المصارف الإسرائيلية. كما قاطعت كنيسة «اهرى» عددا من الشركات الأميركية التي تقدم خدمات للمستوطنين وجيش الاحتلال. واعتبرت كنيسة المسيح المتحدة مؤخراً إسرائيل دولة فصل عنصري وطالبت بالمساواة الكاملة في التعامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مشيرة إلى ضرورة ضمان حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام ١٩٤٨. كما بدأت لجنة الكنيسة المشيخية تطالب بسحب الاستثمارات من الشركات المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي. ورغم هذا التحول المهم والجريء في مواقف الكنائس الأميركية، إلا انه ليس جديداً، لكنه أكثر جرأة من ذي قبل، فقد نددت عشرات الكنائس في الولايات المتحدة الأميركيّة عام ٢٠١٨ بسياسة الاحتلال لسن قوانين تستهدف الكنائس الفلسطينية وتُشرعن الاستيلاء على أملاكها، لكن ما يحدث الآن في الولايات المتحدة تعدى بكثير حدود التنديد. هذا التحول الجريء في مواقف الكنائس الأميركية ليس مستغرباً على الإطلاق إذا علمنا أن ربع اليهود الأميركيين عموماً وثلثهم ممن هم تحت سن الأربعين يعتبرون إسرائيل دولة فصل عنصري ترتكب جرائم بحق الفلسطينيين.

إن ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي الهمجية واللاأخلاقية واللاإنسانية بحق الفلسطينيين لم تعد تمس فقط بسمعة إسرائيل، التي باتت تجتذب عداء شعوب العالم أجمع، بل باتت تؤثر على أمن وسلامة اليهود في العالم. وقد تصاعدت حدة حوادث الاعتداء على اليهود في الولايات المتحدة في أعقاب حرب غزة الأخيرة، إلى جانب الاعتداءات  في أماكن متفرقة من العالم. وامتد ذلك الأثر السلبي لممارسات الاحتلال حد عدم التعاطف مع تلك الاعتداءات على اليهود في الولايات المتحدة. اذ لم تنجح عشرات من المنظمات اليهودية الأميركية في الحشد  لمسيرة باتجاه مبنى الكونغرس في واشنطن خلال الشهر الجاري، سعيا لاستدرار التعاطف والتضامن مع اليهود، الا ببضع مئات من المتعاطفين على حد وصف جريدة واشنطن بوست الأميركية، اذ خشي بعض المنظمات اليهودية مثل «أميركيون من أجل السلام الآن» و «جي ستريت» من المشاركة، خشية الخلط في فهم مواقفها واعتبارها أنها تدعم ممارسات إسرائيل.

لم يعد بإمكان إسرائيل اليوم خداع العالم، فانتقاده لها كقوة احتلال، لا يرتبط بالموقف من اليهود، بل يتعلق بشكل مباشر بهمجية الاحتلال وظلمه، ورفض وانتقاد العالم لذلك. الا أن ممارسات الاحتلال اليوم باتت تشكل خطراً مباشراً على يهود العالم، وعلى إسرائيل أن تقرر، إما الاستمرار في ممارساتها كدولة احتلال تضطهد الفلسطينيين وتعرض أمن وسلامة اليهود المنتشرين في دول العالم للخطر، والذين يعاقبون بلا ذنب على جرائم إسرائيل، وإما إعطاء الفلسطينيين حقهم في الاستقلال والحرية، وضمان السلام والأمن ليهود العالم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...