الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

عن عزمي شنّارة .. عن الحب والكتب

الكاتب: زياد خدّاش

أستطيع أن أحدد أسماءهم واحداً واحداً، أولئك الرائعون طوال القامة الذين مروا في حياتي، وابتسموا كثيراً في وجهي، وزودوني بالاهتمام والحب والكتب، أبرز هؤلاء هو الصديق عزمي شنّارة، إذ بعد عودتي من جامعة اليرموك الأردنية، شتاء العام ١٩٨٧ كانت المكتبات العامة دائماً هي وجهتي وبيتي، فهي المكان الآمن اللطيف الذي أستطيع أن أجلس فيه محاطاً بالكتب غارقاً في تخيل مستقبلي الأدبي، لم أكن قد نشرت نصاً من نصوصي، وكان حلم أن أصبح كاتباً يعذبني.

كانت مكتبة رام الله العامة من أبرز مكتبات المدن الفلسطينية العريقة المرتبطة بذكريات عديد من كتاب فلسطينيين مشهورين، جلسوا فيها وقرؤوا واستعاروا كتبها أمثال: محمود شقير، يحيى يخلف، محمد القيسي، خليل السواحري وغيرهم، ويبدو أن طبيعتي الغريبة الحساسة لم تكن فقط بحاجة إلى الكتب والمكان الهادئ، كان يجب أن يكون هناك شخص لطيف يرحّب بي، ويحب وجودي هناك، وكان هذا الشخص هو عزمي شنّارة.

لفتني أول مرة هدوؤه وصوته الخفيض وإنسانيته ودماثته المفرطة، وفيما بعد كان هذا الشخص هو صديقي الذي أتبادل معه الكتب، والآراء حول كتب نقرؤها سوياً من نفس المكتبة التي هو أحد موظفيها، وكثيراً ما كان يحدث أن يسبقني عزمي في استعارة كتاب من المكتبة، وحين يعيد الكتاب إلى المكتبة، كنتُ أستعيره فوراً، وبعد قراءته نجلس سوياً نتناقش فيه، كانت أذواقنا متقاربة جداً في قراءة الروايات، كان هو يميل إلى الغرابة والواقعية في آن كما هو ذوقي تماماً، وكان عندما أتأخر في إعادة الكتب، يرسل لي (إيميلات) كما يرسل لآخرين متأخرين، وحين أطنّش (إيميلاته) اعتماداً مني على دماثته ورقته معي، كان يفاجئني بغضب شديد وامتناع فوري عن إعارتي كتباً جديدة، ولكن الغريب أن هذا الغضب والامتناع كان عمره قصيراً جداً بضع ساعات فقط، ويعود عزمي؛ ليقترح عليّ كتباً جديدة وصلت المكتبة وحين يعلو صوتي دون قصد في حديث جانبي مع صديق كان عزمي يسدد لي حركات يديه الحادة ونظراته الغاضبة وهو يطلب مني الهدوء، كان الهدوء في المكتبة خط عزمي الأحمر.

تطوّرت صداقتنا، وأصبحنا نلتقي في المقاهي في أيام العطل، نتناقش في نصوصي التي يتحمس لبعضها مبدياً تحفظاته الجمالية على البعض الآخر. وفي قضايا الأدب والروايات الأوروبية تخصيصاً.

الجميل جداً في شخصية عزمي هو اهتمامه بالكتب الجديدة التي كنتُ أعطيه أسماءها فيبحث عنها في الشبكة والمكتبات الأخرى، لأتفاجأ به دائماً وقد أحضرها إلى المكتبة، واضعاً شرطاً واحداً هو أن يقرأها هو أولاً.منذ العام 1987م وحتى العام 1999م، كان عزمي صديقاً رائعاً لي في مكتبة رام الله، وبعد انتقاله إلى مكتبة القطّان التي ما زال على رأس عمله فيها، صار عزمي أخاً عزيزاً، وصديقاً مقرباً يشاركني زيارة المدارس الفلسطينية لإغناء الحياة الثقافية فيها، في تعاون بين وزارة التربية والتعليم ومؤسسة عبد المحسن القطّان.

لم يتوقف عزمي عن الابتسام في كل مرة أراه فيها، ولم تتوقف دماثته عن الحدوث في كل حادث يحدث أمامي معه، أحببتُ وجود عزمي في حياتي الثقافية والشخصية، كان ومازال أحد أهم الأشخاص الذين ساعدوني أثناء وجوده في المكتبتين: رام الله والقطان؛ للتعرف إلى عالم جديد عبر الكتب الجديدة التي كان يحرص عزمي على اقتنائها من معارض الكتب العربية والعالمية.أفكّر أحياناً، ماذا لو لم يكن عزمي شنّارة في مكتبة رام الله العامة، وفي القطان؟ أكنتُ حصلتُ على تلك المعرفة. والسعادة والأمان في وجودي في المكتبتين؟!.

لا أستطيع أن أتخيّل مكتبة عامة أجلس فيها دون أن يكون فيها عزمي شنّارة، حتى كأس النسكافيه الذي يتقن صنعه، حين يضعه أمامي، أشعر أنه يهديني كتاباً ممتعاً جديداً.في بداية العام القادم، سيتقاعد عزمي شنّارة، ولن يكون هناك منتظراً إياي بابتسامته العذبة، وكأس النسكافيه الخرافي، ودماثته، واقتراحه لكتاب جديد نقرؤه معاً، سيكون هناك شخص آخر، ربما سيكون لطيفاً مثله، ومثقفاً مثله، وربما سيكون صانع نسكافيه خرافياً أيضاً، ولكنّه لن يكون عزمي شنّارة.

شكراً عزمي لوجودك، لثقافتك، لدماثتك، لغضباتك قصيرة العمر والصغيرة وللكتب التي عرفتني عليها، وللعالم الجديد الذي ساعدتني لأطل عليه من نوافذ مكتبة رام الله العامة في أوائل التسعينيات حيث الأسئلة المكونة للروح والكتابة، والأحلام المتوهجة في القلب والعقل معاً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...