المطلوب وطنيا
الكاتب: عمر حلمي الغول
سؤالان اساسيان يطرحان على القيادة والنخب السياسية والأكاديمية والإعلامية منذ بداية حرب الإبادة الصهيو أميركية الأوروبية على الشعب العربي الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين كافة من القدس العاصمة والضفة وقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، تمت الإجابة عن نصف السؤال الأول، وهو ما يجب العمل عليه راهنا، أي اليوم، وتم التأكيد على: وقف الحرب فورا، رفع الحصار عن الأراضي الفلسطينية عموما وقطاع غزة خصوصا، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومستلزمات طبية ووقود، وتأمين مياه صالحة للشرب، وتوفير الكهرباء؛ تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وقف التهجير القسري لابناء الشعب من أي بقعة من الوطن الفلسطيني، والذهاب للحل السياسي في اليوم التالي للحرب، وهذا مهم.
لكن هذا ليس كل الجواب، هناك حاجة ماسة أولا لترتيب البيت الفلسطيني، ثانيا إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية بمستوياتها المختلفة الميدانية والسياسية والتنظيمية والكفاحية، ثالثا تصعيد المقاومة الشعبية، والشروع بتشكيل قيادة وطنية موحدة حقيقية ومؤهلة وقادرة على امتلاك زمام الامور، رابعا وضع خطة وطنية لمواجهة اخطار الحرب الدائرة، حرب الأرض المحروقة في الضفة بما فيها القدس والقطاع، خامسا إعادة الاعتبار لدور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية وطنية للشعب العربي الفلسطيني، وتفعيل هيئاتها القيادية بشكل ملموس، وإخراج القيادات من دوامة المراوحة والانتظار، وتمثل دورها على كافة الصعد، وعدم الاكتفاء بما يقوم به الرئيس أبو مازن وفريقه من جهد سياسي ودبلوماسي، سادسا ارسال عدد من القيادات الوطنية برئاسة عضوي لجنة تنفيذية ومركزية وقيادات من الفصائل لمدينة رفح او خانيونس لمتابعة قضايا المواطنين الفلسطينيين، باعتبارها قيادة ميدانية، ولديها صلاحيات واسعة لاتخاذ ما يلزم من القرارات، وتملك الإمكانيات الضرورية للتخفيف عن المواطنين، وغيرها من المتطلبات الوطنية.
اما السؤال الثاني المطروح، ماذا عن اليوم التالي للحرب، لا يكفي القول بالذهاب للحل السياسي القانوني، هناك متطلبات قبله وبعده، لا سيما وان إدارة بايدن ومعها الحكومة الإسرائيلية وأوروبا تتحدث عن سيناريوهات مختلفة لما بعد الحرب أي الفترة الانتقالية، وجميع الحلول المتداولة تنحصر في الحلول الامنية الجزئية، وهو ما يفرض ضرورة تشكيل خلية ازمة وطنية موسعة لمناقشة السيناريوهات المختلفة، وتحديد المطلوب وطنيا. فضلا عن ان، إسرائيل تعمل بخطى حثيثة لتهجير المواطنين قسريا من قطاع غزة والضفة بطرق متعددة، في محافظات الجنوب تدفع المواطنين دفعا تحت ضغط عمليات الإبادة والقصف الجنوني والسريالي الى جنوب الجنوب للزج بهم نحو الحدود المصرية. وعليه ما هي الخطط التي وضعت او يفترض ان توضع لمجابهة الخطر الداهم؟ وهل تم التنسيق مع الشقيقة مصر لمواجهة التحدي المشترك؟ وما هي الاليات لمساعدة أبناء الشعب المنكوب في القطاع، الذين باتوا بلا مأوى بعد التدمير الهائل لعشرات الالاف من الوحدات السكنية؟ وماذا عن المستشفيات ووزارة الصحة لاعادة تأهيلها؟ وكيف ستؤمن وزارة التربية والتعليم تأهيل المدارس وكيفية متابعة العام الدراسي لابناء الشعب؟ وماذا عن قطاعات الكهرباء والماء والبنى التحتية؟ وما هي ترتيبات القيادة لفرض وجودها في المحافظات الجنوبية وتحمل مسؤولياتها كاملة؟ وهل ننتظر عامين او اكثر حتى يرى الحل السياسي النور، هذا اذا تبلور مثل هذا الحل بالشكالة التي نريد وفق قرارات الشرعية الدولية؟ وهل يفترض ان ننتظر قبول هذا الفصيل او تلك الحركة وجود القيادة الشرعية، ام علينا تكريس الوجود الوطني، لان منظمة التحرير هي ام واب الولد الفلسطيني. وعليها ان تميز بين ما يجري من حرب إبادة الان، وما جرى في الحروب السابقة، ولا يجوز المقاربة بين ما كانت عليه تلك الحروب والحرب الدائرة الان؟ هناك شرطان ذاتي وموضوعي مختلف تماما، وبالتالي القرار يفترض ان يكون مختلفا ومغايرا لما حصل في تلك الحروب.
كما انها (إسرائيل) من خلال عمليات القتل والاقتحامات لخيمات ومحافظات الشمال من القدس العاصمة وجنين وطولكرم ونابلس والخليل ورام الله والبيرة واريحا وطوباس وسلفيت وقلقيلية وبيت لحم تدفع الأمور نحو حافة الهاوية، وتفجير الأوضاع في الضفة الفلسطينية، وتعمل على توسيع دائرة التطهير العرقي بشكل منهجي، وكخيار ثابت لها. والسؤال هنا ما العمل لمواكبة التطورات؟ وما هو دور الحكومة؟ وما هو دور القوى والفصائل الفلسطينية والنخب من مختلف التخصصات؟ وكيف يمكن إيجاد التكامل مع الكل السياسي في المحافظات الشمالية بما فيها العاصمة القدس؟ وما هي اليات التنسيق مع الشقيقة الأردن للحؤول دون تهجير المواطنين القسري من الضفة؟ وما هي اشكال التنسيق مع مكونات النظام الرسمي العربي، بغض النظر عن اية ملاحظات لنا هنا او هناك لتطويق اية اخطار داهمة لمواجهة التطهير العرقي؟ وماذا عن مواجهة جرائم واقتحامات جيش الموت الإسرائيلي وميليشيات المستعمرين في الضفة، الذين يقومون على مدار الساعة باستباحة المدن والقرى والمخيمات، وارتكاب ابشع جرائم الحرب ضد أبناء الشعب؟ وما هي أدوات الضغط المتوفرة باليد الفلسطينية لفرض رؤيتها وخيارها على الأعداء جميعا وخاصة دولة إسرائيل اللقيطة؟
هناك العديد من الملفات ذات الصلة بجرائم الحرب الإسرائيلية وتوثيقها ورفعها لمحكمة الجنائية الدولية، ورفع مكانة في فلسطين في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وغيرها من الملفات، والمهم ضرورة التوقف امام الالف سؤال وسؤال التي تطرح على القيادة في المنظمة وحركة فتح والمكاتب السياسية لفصائل العمل الوطني والشخصيات المستقلة ورجال الاعمال والقطاع الخاص والاكاديميين والمثقفين والإعلاميين، الامر الذي يفرض على الجميع ان يرتقي الى مستوى المسؤولية للإجابة عن مطلق سؤال مطروح على بساط البحث، ورفد القيادة بما لديهم من أفكار بغض النظر ان كانت واقعية او من خارج الصندوق للاستشراف من خلالها عن حلول وطنية تسهم في الخروج من الاثار الكارثية للحرب. ولكن مطلوب الان تشكيل خلية ازمة موسعة ومؤهلة تشمل التخصصات كافة للإجابة على أسئلة التحدي المثارة، واجزم اننا تأخرنا كثيرا.