لم الخلاف ؟؟

الكاتب: احمد صيام
ثمانية شهور واكثر ، والشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل ، يتعرض لابشع عدوان وحرب ابادة شهدها التاريخ الحديث ، استهدف البشر والحجر والتراب ، يتصدى وحيدا عاريا بامكانيات بدائية متواضعة جدا لكنه يحقق انجازات غير متوقعة ، أبهر الصديق قبل العدو، مقاومته الفطرية يتناقلها جيل بعد جيل ، ليقترب موعد الحرية والانعتاق من العبودية أكثر فاكثر ، مقاومة كشفت مواطن الضعف والقوة للكثير ممن راهن على فشلها او اقتراب استئصالها .
جيش يمسك بيديه المرتجفتين احدث االعتاد والاسلحة الفتاكة ، في مواجهة مقاتلين عراة حفاة او على اقل تقدير يلبسون " حفاية " من صنع محلي " وتريننج " تقي اجسادهم من برد الشتاء وحر الصيف ، ولكن بايديهم الثابتتان بنادق الشرف والعزة والكرامة ، يمتلكون ما لا يمتلكه خصمهم ، الايمان بالله والحق الثابت الحتمي الذي كفلته القوانين الالهية ومن ثم الوضعية .
مقاتلون لا يخشون في سبيل الحق لومة لائم ، سوى الفُرقة السائدة بين ابناء الشعب الواحد ، والشاطىء الذي سترسو فيه سفينتهم التي ما زالت تبحر في بحرهائج تتلاطمه امواج عاتية ، يقودها اكثر من ربان ، لكل وجة غامضة محيرة ، ما قد يصيب هذه السفينة العطب ، او الغرق في بحر آخر من الاوهام .
وجهة غامضة تعمق من خلاف يزيد الامور تعقيدا ويرفع من حدة المعاناة والآلام ، وتحد من فرص الوصول الى بر الامان ، ويزيد من بُعد طريق الحرية والاستقلال ، ويرفع من همة احتلال لا يدخر فرصة الا ويقتنصها لايقاع الاخوة في بعضهم البعض ، ليضعفهم ويمرراهدافه المسمومة .
لم الخلاف ؟ سؤال لا يكاد يغيب عن مخيلة كل فلسطيني ينشد الحياة الكريمة ، في المقابل احتلال يوجه دعوة صريحة للمختلفين لفض خلافهم والتوحد ، دعوة معالمها اتضحت من الامعان في احتلاله وتنكره لحقوق شعب هُجر عن ارضه وسلبت حقوقه وتمارس بحقه كل اشكال العنصرية والوحشية والقتل والتدمير والبطش والتنصل لاي اتفاقيات ابرمت سابقا وقرصنة امواله وسرقة مقدراته وتجويعه ، دعوة توجت باعلان صريح بدعم امريكي اوروبي ، وحتى عربي مبطن ، يرفض فيه اي تمثيل فلسطيني معتدل كان ام " متطرف" على حد وصفه ( لا عباس ولا حماس ) ولا اصفر ولا اخضر ولا احمر !!
لم الخلاف ؟ ولم استمرار حالة الخذلان الفلسطيني الفلسطيني ؟ ولم تعميق حالة الاستعراضات والاتهامات من كلا الجانبين ومن والهم ؟ والاقصى يئن ، والقيامة تختنق اجراسها من شدة الألم ، والمهد وقد خفت اضواء المخاض فيها ، والفلسطيني في الضفة الغربية يساوره القلق من مستقبل يخشى ان لا يوفر له احتياجاته الاساسية ، والفلسطيني في القدس يخشى فقدان وجوده وهويته الوطنية ، والفلسطيني في غزة صار النوم عنده امنية يشتهيها ويبقي عيونه يبقيها مفتوحة تتلهف لرؤية اقمار الحرية والامن والامان ، بينما الجميع من حوله ما زالوا يغطون في نوم عميق !! لم الخلاف على سلطة لم يعد لها اي سلطة !!
عشرات الالاف من الشهداء واكثر منهم جرحى واقل منهم اسرى ، وكم هائل من الدمار لحق بما كان يأوي هذا الشعب المكلوم ، فبات يفترش الارض ويلتحف السماء وقلبه يقطر ألما وينزف دما لحال وصل اليه واشقاء له يتهافتون يلهثون لاسترضاء الجناة من اولاد العم الذين يستثمرون جيدا في خلاف اخوة لا تعدو ردة فعلهم عن حدود الادانة والشجب ، والمناشدة !! مع انهم لو اتحدوا وجعلوا خلافهم خلف ظهرانيهم لكانوا اشد قوة في مواجهة ذلك المحتل وداعميه من العجم والعرب .
خلاف يؤكد كثير من المراقبين والمحليين والمختصين بالشأن الفلسطيني ، ان الشعب الفلسطيني ووسط الخلاف المدمر بين قياداته ، والانقسام بين شطري الوطن ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) والمعطيات الميدانية والسياسية التي فرضتها معركة طوفان الاقصى المستمرة منذ اكثر من ثمانية شهور ، بات امام لحظة تاريخية مفصلية : اما الحرية او تعميق الاحتلال عبر اتفاقيات جديدة مخادعة على غرار"اوسلو" ، تلتف على التضحيات الجسام التي قدمها وما زال الشعب الفلسطيني ، ولعل الخطة الامريكية الاخيرة لادارة قطاع غزة والنابعة من رؤية اسرائيلية صرح بها الرئيس الامريكي بايدن مؤخرا ، ونشرها مركز ويسلون الامريكي خير دليل على محاولات الالتفاف على انجازات المقاومة بحلول مخادعة ، حتى انها أكثر سوءا من مساوىء اتفاق اوسلو .
في ضوء ما سبق ، باتت الحاجة ملحة جدا للكل الفلسطيني ولجميع الاطراف والاطياف استثمار المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية ، استراتيجيا والوقوف صفا واحدا واستغلال حالة الاحتقان الدولي على ممارسات دولة الكيان ، والشروع ببلورة رؤية شاملة ُيجمع عليها الكل الفلسطيني ، تغلب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وتغيب عنها المصالح الفئوية والحزبية والذاتية ، تتصدى لكل المؤامرات التي تحاك بالخفاء وتفتيت اهدافها المتمثلة بادامة الاحتلال وتمرير مخططات التهجير والاستيطان والتهويد بطرق مخادعة ملتوية ، وتعمل في ثلاثة مسارات متوازية :
الاول داخلي يعمل على رأب الصدع بين الفئات المختلفة وتعزيز الوحدة الوطنية ، ووقف التفرد او الهيمنة او احتكار القرار الوطني ، وذلك من خلال قيادة جماعية تعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية بكوادرشابة من ذوي الكفاءات المهنية والعلمية والوطنية لا تستثني في صفوفها اي من التيارات الوطنية ، ومن ثم الانتقال الى العمل المشترك الموحد لوقف العدوان والتفاوض على اغلاق ملف المعتقلين والاسرى مقابل اؤلئك المحتجزين لدى المقاومة ، وصولا الى آليات تجسيد مبادىء السلام المنشود المبنية على الحرية والاستقلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية رزمة كاملة غير مجزئة ، وفي مقدمتها قرار التقسيم 181 ، الذي بموجبه يسحب الاعتراف بدولة الاحتلال ما لم تقم الى جانبها دولة عربية.
المسار الثاني : العمل على حشد الطاقات العربية وتوحيد الموقف العربي بجميع مكوناته ، الرسمية والدينية والشعبية ، واطلاق مبادرة تحرم التطبيع وتلوح بتجميد العمل باتفاقيات السلام القائمة بين دولة الكيان وبعض الدول العربية ، وتفعيل المقاطعة الشاملة لاي من المؤسسات الداعمة لدولة الكيان ، الى ان تحل القضية الفلسطينية على اساس قرارات الشرعية الدولية ، وتقام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
المسار الثالث والاخير : استثمار عودة القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات العالمية وحالة التعاطف والتأييد الشعبية والرسمية غير المسبوقة مع الشعب الفلسطيني ، وتعزيزالعمل الدبلوماسي الفلسطيني العربي المشترك ، وبذات الوقت تعزيز دورالجاليات الفلسطينية والعربية في المجتمعات الغربية وتكوين لوبي مشترك يواجه اللوبي الصهيوني لكشف حقيقة دولة الكيان والعمل على تعزيز نبذها ، ما قد يثمر في اخضاع دولة الكيان للانصياع والاقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية .