الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:20 AM
الظهر 12:36 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:28 PM
العشاء 8:52 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

  عقيدة "القدر المتجلي" الأمريكية و"تجرع المرارة" الصينية، ونظرية التناغم (الكونشيرتو)

الكاتب: بكر أبوبكر

تحتدم المنافسة العالمية وتشتد الاضطرابات داخل العالم الرأسمالي الامبريالي، وتتجلى قوة الطموحات والقوى العظمى الصاعدة في الشرق، فتتصارع قوى كبرى مقابل أخرى ما قد يذكّر بمراحل قديمة حيث الانتقال العالمي من قوى آفلة غَرُبت عنها الشمس، لمرحلة قوة أو قوى جديدة ناهضة، كما كان في انتقالات وانعطفات الاحتراب الأوربي الداخلي مقابل غزو العالم في مراحل عدة من القرن 16 فصاعدًا.

الاستعمار والعِرق الأبيض

حاولت الدول الأوربية الاستعمارية بمراحل مضت أن تجد تسويغًا شريفًا أو مقدسًا للاستخراب (الاستعمار) المدمّر، فلبست قناع نشر الحضارة، التي هم رجالها فقط، أي المغلفة بعنصرية الرجل الأبيض المتفوق إثنيًا والذي في سبيل (تحضير) الأوباش أو الهمجيين يحق لهذه الدول أن تفعل ما تشاء واستنادًا أخلاقيًا لنصوص توراتية (أدخلت على المسيحية) تنظّر للتعصب الديني و(الفئة) أوالقبيلة أو خرافة الشعب المختار.

إنها التنظيرات المقدسة التي رافقت الغزو الأوربي الاستخرابي (الاستعماري) للعالم من جهة تحت راية المسيحية الغربية المغزوة بالتوراتيات بحقيقة الأمر، أو تحت راية المسيحية الصهيونية بشكلها التطهري (البيوريتان) الذين غزوا أمريكا تحت مظلة خرافة أنهم الفاتحين المنتظرين، وأنهم يدخلون جنة الله على الأرض أو الأرض الموعودة، أرض اللبن والعسل التي أعطاهم إياها الرب.

المعنى هنا أن القيم والمباديء أو التبريرات المقدسة أكانت محقة بالتطبيق العملي أو هي شريرة بالأمر الواقع كانت تسير مع السلاح والاستعباد للبشر والقتل والغزو أي مع الاستخراب (الاستعمار) الغربي لدول في آسيا و إفريقيا، وفي غزو أمريكا.

 ومما هو جليّ ولمئات السنين فلقد تم استغلال الأراضي المحتلة والمستعمرة وشعوبها بهذه القيم السقيمة من التفوق العرقي أو الديني أو أحقيتهم العِرقية بنشر الحضارة بمواجهة الشعوب الهمجية او البربرية.

اليمين الديني والخرافات

نعود اليوم لمثل هذه الأفكار المظلمة مع بروز ظاهرة اليمين الديني في العالم، وتعملقها في الكيان الإسرائيلي الذي يفترض بأرض فلسطين له هِبة من الرب!؟ الذي غفِل عنهم لأكثر من ألف عام!؟ وضرب بدموع آبائهم وأجدادهم عرض الحائط وماتوا بلا نظرة وداع ! ليعود الجُدُد المتعصبين المتخمين بالخرافات لما كان من حقيقة الأفكار تلك التي اختصت بقبيلة قديمة (قبيلة بني إسرائيل القديمة المندثرة، كما اندثار قوم لوط وقوم نوح وقوم يونس وقوم صالح...الخ) قضت وقتها وأوانها وانسحبت عن مسرح التاريخ، أي من خلال أقوام غربيين جدد ادعوا الانتساب لها، أو حمل قيمها العنصرية والدينية الخرافية البائدة.

"ترَمب" ونظرية "القدر المتجلي"

نمت عقلية التفوق المقدس مع عقلية الصهيونية-المسيحية منذ القِدَم، وحديثًا مع أمثال الرئيس الأمريكي "ترَمب" والملتفين حوله يتحلقون حول الثروة والتوسع ونهب الشعوب بكل بساطة لأن هذا من حقنا أوهذا ما أعطانا إياه الله! فلا حاجة لتغطية فكرة العدوان والنهب والتمدد العسكري والاقتصادي والتقاني على العالم بأي غلاف أو رداء من القيم الانسانية، كما كانت من سلفه "بايدن" ومن سبقه الذين كان غطاؤهم نشر الديمقراطية وحقوق الانسان والتي كانت تسير في ركاب تدميرهم للعالم ونهبه وتحقير شعوبه، كما فعلوا في العراق وأفغانستان وليبيا ودول عديدة أخرى.

الخلاصة هنا أن فكرة التغطي بثوب من القيم والاخلاق العالمية لتبرير التوسع والهيمنة وسرقة البلدان والشعوب لم تعد ذات فائدة مع تكامل الاستبداد والطغيان (العلوّ الكبير)، فأمريكا حسب هذه النظرية قد بلغت من العتو والفرعنة والهيلمان والطغيان قمته الذي لا تحتاج معه لأي تبرير، ومن هنا كان سعي إدارة الرئيس الجديد أو القيادة الامريكية المتحكمة في مسار البلاد لإعادة الاعتبار لمبدأ (القدر المتجلي) الذي ظهر في القرن 19 وسوّغ للامريكان كل المذابح والغزو والتعدي على حقوق الآخرين تحت إدعاء أنها مشيئة الرب، وهو ما يعدو اليوم ليحل في ثوب هذه الإدارة التي لا تأبه لصراخ أحد، وتستهين وتستخف بكل ضعيف ولا تسعى الا للحل مع الأقوياء فقط.

إن نظرية أو مفهوم "القدر المتجلي" (Manifest Destiny)، الذي برز في أربعينيات القرن التاسع عشر، وتحوّل إلى عقيدة قومية تبرّر التوسع باسم "الإرادة الإلهية"، تعني كما يورد أحمد الدبش في مقاله  إن "القدر" قد حدد غايته واختار"البيض الأنجلوسكسون البروتستانت" كحاملي هذه الرسالة، ومكّنهم من الهيمنة على الأراضي الهندية-السكان الأصليين لأمريكا- أولًا، ثم التوسّع خارج الحدود الجغرافية الطبيعية. وعليه فإن "القدر"، كما رآه  الصحفي "أوسوليفان"-صاحب الفكرة- عام 1845م، يجب أن يُرسم بخط مستقيم يقود نحو مستقبل تتسيّده أميركا كقوة مُخلِّصة ومهيمِنة. ومن هنا يخلص الدبش للقول إن" إحياء ترامب مفهوم "القدر المتجلي" ليس مجرد خطاب بلاغي، بل أداة سياسية تعكس فلسفة حُكم قائمة على السيطرة والتفوق، تُعيد صياغة الهيمنة الأميركية بأساليب معاصرة تتجاوز حدود الزمان والمكان."

نظرية "تجرع المرارة" الصينية

في المقابل فإن الصين وفق بعض المحللين (زونغيوان زوي ليو-العضو في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية) تسير في عهد الرئيس الصيني "شي" وفق نظرية (تذوق/تجرع/ أو تناول المرارة) " (吃苦 - تشي كو) والتي سادت بالخمسينيات والستينيات من القرن العشرين في الصين، وهي التي تعني المثابرة في مواجهة الصِعاب والمشقّة دون شكوى، أو حتى المعاناة. لذا فإن الصين تستعد وتتجهّز للألم في مواجهة نظرية "ترمب" الربانية في غزو العالم والهيمنة عليه بلا غطاء قيمي سوى عبارة (أمريكا أولًا) .

وفي حقيقية الأمر فإن الصين التي صبرت طويلًا، وخاضت صراعها نحو القمة بقوة وتمهل، وعمل متواصل مثابر، واختراق لين للعالم أصبحت مستعدة للمتغيرات العالمية عند لحظة الانعطاف المرتقبة خاصة في توقعها الحرب الأمريكية عليها، فهي أصبحت إذا لزم الأمر ضمن مقتضيات الحرب، جاهزة كليًا للانفصال عن الولايات المتحدة الامريكية، حيث أظهرت بكين قدرة قوية على الرد وانفتاحًا تكتيكيًا على التفاوض (في ظل الهجوم الأمريكي وسياسة التحريض والتعرفة الجمركية ل"ترّمب"...)، لكنها لم تُظهر استعدادًا للخضوع كما يشير "زوي ليو".

وحين يشير لمسيرة، أو استراتيجية وعقيدة الرئيس الصيني"شي جين بنغ" الطويلة يرى "أنها مسيرة تميزت بمحورين أساسيين هما: مقاومة الإكراه الخارجي، والسيطرة على صراعات السلطة الداخلية." وهي المستمدة من "مفهوم/عقيدة "تشي كو"، أو "تناول/تذوّق المرارة" الصينية– التي تعد المواطنين الصينيين، وخاصة الشباب، إلى تحمّل المشاق في سبيل تجديد شباب الأمة. وبذلك "لا يُعدّ استحضاره للمهمة التاريخية للحزب الشيوعي الصيني للتغلب على "مئة عام من الإذلال" مجرد زخارف خطابية، بل هو دعامة لشرعيته."

في النظر الى الوضع الحالي من الغزو الأمريكي الصارخ للعالم من خلال استعراضية الرئيس الامريكي وجبْل أفكاره "المقدسة" بصيغ حادة ومتجردة من أي قيم كونية أو إنسانية، فإن النظريات تتكاثر ما بين أن الحاصل مقدمة لحرب عالمية مؤكدة، أو أنها منافسة تجارية تؤسس لعالم جديد، أو أن الحاصل مؤامرة للماسونية أو القوى الباطنية التي تحكم العالم أو غير ذلك من نظريات والتي منها فرضية انسحاب القوة الأمريكية وتراجعها الاقتصادي والتقاني (تكنولوجي) وما يؤسس لتراجع هيمنة وبسط سيادة مقابل التنين الصيني القادم والذي قد يفتح الأفق إما لتقاسم عالمي جديد ثلاثي أو رباعي أو يفتح الباب لتنازع قوى ومسارات واستراتيجيات قد يطول أمده. وفي جميع الأحوال فإن مما لا يغيب عن الذهن أن الامبراطوريات مثل جسد الانسان لها طفولتها ثم شبابها وصولًا لشيخوختها، وقد تستطيع تأخير شيخوتها قبل الأفول أو الزوال، وقد لا تستطيع (كما حصل مع الامبراطورية الانجليزية الآفلة) ومن هنا فإن المعادلة الدولية التي فتح بابها الرئيس الامريكي "ترَمب" على مصراعيه، قد تجد تجليًا فما يذكره المفكرون السياسيون اوالمحللون الملتزمون والذين سنتعرض لهم للنظر في مآل الأمور كالتالي:

الأحادية الأمريكية بلا تقاسم، ومؤتمر فيينا 1815

يقول "مايك بيكلي"- الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تافتس- في ورقته المعنونة "عصر الأحادية الأمريكية Unilateralism -كيف ستعيد قوة عظمى مارقة تشكيل النظام العالمي؟"، أن الحاصل هو أن "الولايات المتحدة الامريكية أصبحت قوة عظمى مارقة، لا أممية ولا انعزالية، بل عدوانية، قوية، وتسعى جاهدةً لاستقلالها بشكل متزايد."

ومع إقراره بالعدوانية الأمريكية التي لا يرغبها، فإنه حين ينظر للمخاطر -من الصين أساسًا ودول أخرى- التي تواجهها أمريكا بجديّة فإنه يرى الحل أو الاستراتيجية الأفضل -لبلده أمريكا- لا تتمثل في تقاسم العالم مع الصين وروسيا، بل في احتوائهما من خلال كتلة عالمية حرة موحدة، يقصد كتلة أوربية غربية تحديدًا، ضمن تحالف سياسي عسكري اقتصادي، ومن خلال هذا التحالف الغربي يرى أن "الولايات المتحدة ستُتيح الوصول إلى الأسواق مقابل التزامات ملموسة بأن يُنفق الحلفاء المزيد على الدفاع؛ وستُنفصل –هذه الدول الاوربية والغربية-عن روسيا والصين في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات والاتصالات والطاقة والتصنيع المتقدم؛ وستمنح الشركات الأمريكية وصولاً متبادلاً إلى أسواقهما. وستشمل الاتفاقيات التجارية قواعد مشتركة لفحص الاستثمارات، وضوابط التصدير، والدعم الصناعي،وستدعم الإنتاج المشترك للتقنيات المتقدمة."

مضيفًا لرؤيته بالحفاظ على أمريكا متقدمة بالعالم أطول فترة ممكنة أنه: "لن يكون الهدف إحياء نظام ليبرالي عالمي، بل ترسيخ تحالف اقتصادي متين - نظام يُدافع عن أعضائه، ويُعزل الخصوم، ويمارس قوة التفاوض الجماعي." كما حصل على حد قوله في نظام ويستفاليا للدول ذات السيادة، والسلام الأوروبي الذي انبثق عن مؤتمر فيينا 1814-1815، والنظام الحرياتي (الليبرالي) الذي أعقب الحرب العالمية الثانية - في خضم تنافس القوى العظمى، عندما دفع الخوف، لا المثالية، الدول إلى التكاتف."

 

يجب عدم الاستخفاف بالصين قط!

وعلى ذات المنوال وبتفصيل أكبر فإن "كيرت م. كامبل وراش دوشي" من معهد "الشؤون الخارجية (فورين أفيرز) في ورقتهما المعنونة: "الاستخفاف بالصين لماذا تحتاج أمريكا إلى استراتيجية جديدة على نطاق التحالف لموازنة مزايا بكين الدائمة" يريان ضرورة الشراكة العالمية (دائرة حِراك العالم الأمريكي-الاوربي كما هو واضح) لمواجهة العالم الآخر أي الصين وروسيًا بشكل رئيس وذلك بعد أن يعرضا بعض الحقائق المرعبة التالية (مما لخصناه من ورقتهما الثرية):

•       إن النزعة الانتصارية اليوم (في أمريكا) مضللة إذ تُخاطر بالتقليل بشكل خطير من شأن القوة الكامنة والفعلية للمنافس الوحيد (الصين) خلال قرن تجاوز ناتجه المحلي الإجمالي 70% من ناتج الولايات المتحدة.

•       في مقاييس حاسمة، تفوقت الصين بالفعل على الولايات المتحدة.

•       هذا عصر تعود فيه الميزة الاستراتيجية مجددًا لمن يستطيعون العمل على نطاق واسع. تمتلك الصين ]الحجم[، بينما لا تمتلكه الولايات المتحدة - على الأقل ليس بمفردها. ولأن طريقها الوحيد القابل للتطبيق يكمن في ]التحالف مع الآخرين[.

•       بالنسبة (لأمريكا) ينبغي أن يكون الاعتراف بالحاجة إلى حلفاء وشركاء نقطة البداية، لا نقطة النهاية، لأن النهج الأمريكي التقليدي في التحالفات لم يعد كافيًا. هذا النهج، الذي مال إلى اعتبار الشركاء تابعين: متلقين للحماية بدلًا من مشاركين في صنع القوة.

•       لا تُصبح كل دولة كبيرة قوة عظمى. فالحجم يُشير إلى الأبعاد؛ أما النطاق فهو القدرة على استخدام الحجم لتوليد الكفاءة والإنتاجية، وبالتالي التفوق على المنافسين.

•       تُقدم التجربة البريطانية (حيث فشلت بريطانيا أواخر القرن 19 في فهم المتغيرات، وضرورة تحالفها مع مستعمراتها كندا واستراليا ونيوزيلندا قبل الأفول الامبراطوري في مواجهة القوى الصاعدة) دروسًا وتحذيرات في آنٍ واحد: فجهودها في التكامل الإمبراطوري كانت محدودة ومتأخرة للغاية. لكن الولايات المتحدة اليوم قادرة على النجاح حيث فشلت بريطانيا، من خلال تسخير نطاق الحلفاء والشركاء بطرق جديدة.

•       (في الصين) التحديات الاقتصادية الكلية الخطيرة لا تُترجم بوضوح إلى عيب استراتيجي.

•       يمكن أن تتحقق حقيقتان في آن واحد:  أن الصين تتباطأ اقتصاديًا،  وأنها تزداد قوة استراتيجيًا.

•       واليكم بعض مؤشرات الاقتصاد الصيني  الخطرة حيث أن  اقتصاد الصين تجاوز اقتصاد الولايات المتحدة منذ حوالي عقد من الزمان وهو أكبر بنسبة 25 في المائة اليوم: ما يقرب من 30 تريليون دولار مقابل 24 تريليون دولار للولايات المتحدة.

•       نجد ان القدرة الإنتاجية للصين تفوق قدرة الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف - وهي ميزة حاسمة في المنافسة العسكرية والتقانية - وتتجاوز قدرة دول كبرى.

•       خلال العقدين اللذين أعقبا انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، تضاعفت حصتها من التصنيع العالمي خمسة أضعاف لتصل إلى 30%، بينما انخفضت حصة الولايات المتحدة إلى النصف لتصل إلى حوالي 15%؛ وقدّرت الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2030، سينمو الاختلال إلى 45% و11% على التوالي.

•       تتصدر الصين العديد من الصناعات التقليدية - إذ تنتج 20 ضعفًا من الأسمنت، و13 ضعفًا من الصلب، وثلاثة أضعاف من السيارات، وضعف الطاقة الكهربائية التي تنتجها الولايات المتحدة - وتتزايد صدارتها أيضًا في القطاعات المتقدمة.

•       على الرغم من أنها لا تزال تحاول اللحاق بالركب في مجالات مثل التقانة (تكنولوجيا) الحيوية والطيران، وهما من نقاط القوة التقليدية للولايات المتحدة، إلا أن الصين تتقدم.  

•       أنتجت الصين ما يقرب من نصف المواد الكيميائية في العالم، ونصف سفن العالم، وأكثر من ثلثي المركبات الكهربائية، وأكثر من ثلاثة أرباع البطاريات الكهربائية، و80% من الطائرات بدون طيار، و90% من الألواح الشمسية والمعادن الأرضية النادرة المكررة الأساسية.

ومن هنا يرى الباحثان "كامبل ودوشي" وجوب وجود سياسة أمريكية تُركّز على القدرات: ضمن ثلاث حقائق جوهرية في أي استراتيجية جادة للمنافسة طويلة الأمد.

•       أولًا، الحجم أساسي.

•       ثانيًا، حجم الصين لا يشبه أي شيء واجهته الولايات المتحدة من قبل، ولن تُغيّر تحديات بكين ذلك جذريًا في أي جدول زمني ذي صلة.

•       ثالثًا، يُعدّ اتباع نهج جديد للتحالفات السبيل الوحيد المُجدي الذي يُمكن الولايات المتحدة من خلاله بناء حجم كافٍ خاص بها.

وعليه فإن الخلاصة لديهما تقول: أن واشنطن بحاجة إلى حلفائها وشركائها بطرق لم تكن بحاجة إليها في الماضي،  فهم ليسوا مجرد أدوات خداع، أو محميات بعيدة، أو تابعين، أو دلائل على المكانة والهيمنة والقوة، بل يجب أن يكونوا مُزوّدين بالقدرة اللازمة لتحقيق حجم قوة عظمى.

لذلك يعرضان أساسية وجود تحالفات ثنائية راسخة (مثل تلك التي مع اليابان وكوريا الجنوبية)

وتحالفات متعددة الأطراف (مثل حلف شمال الأطلسي)، إلى جانب شراكات أحدث (مثل اتفاقية تقانة (تكنولوجيا) الدفاع AUKUS مع أستراليا والمملكة المتحدة) وتجمعات أقل مؤسسية (مثل الرباعية، التي تضم أيضًا أستراليا والهند واليابان). بل ويجب العمل على تصليبها وليس مجرد الاحتفاء بها، إضافة لاستخدام أسلوب أو اتفاقيات "التعددية التفضيلية" - أي فتح أسواق الحلفاء والشركاء بشكل انتقائي مع زيادة الحواجز أمام السلع الصينية، وهو ما يجعل من الحصة السوقية المشتركة (للحلفاء الغربيين) نفوذًا استراتيجيًا، ويُعدّ إطار عمل جماعي للدفاع الاقتصادي وهو استجابةً طال انتظارها للإكراه الاقتصادي الصيني، كما يقولان.

وعليه فإنه "من شأن مثل هذه الاتفاقية أن تُفعّل عقوبات منسقة، أو ضوابط تصدير، أو إجراءات تجارية ، وإذا واجه أحد أعضاء المجموعة ضغوطًا اقتصادية من بكين، ستكون بمثابة منصة لردع العدوان العسكري."

إذن فالخطر الأول أمام أمريكا المتشبثة بامبراطوريتها و(أو حقها المقدس بسيادة العالم) هو الصين أساسًا، أما الخطر الثاني فهو أن تنفصل واشنطن عن أوروبا، بينما تفشل في شقّ العلاقات بين الصين وروسيا، لأنه حسب الكاتبين "إذا فشلت الولايات المتحدة في السعي لتحقيق شراكة أوسع مع الآخرين، أو تراجعت إلى النصف الغربي من الكرة الأرضية مع فك تحالفاتها، فإن المنافسة على القرن المقبل ستكون من نصيب الصين" .

نظرية التحالف والتواطؤ (الكونشيرتو)

الواضح لنا أن لدى عديد المحللين الأمريكان الذين اطلعنا على أوراقهم سعيهم لمواكبة نظرية    سيادة العالم بشكل منفرد لزمن طويل، أو بتحالف مع الاستعماريين البيض القدماء، وفي سياق تحقيق هيمنة أوجبروت مشترك، بصيغ تحالف معهم ضد الآخر (الخطر القادم من الشرق)، أوفي نظريات أخرى وللحفاظ على الأمة الأمريكية وطريقة عيشها الرغيد يصل التفكير بالبعض الى الخروج من شرنقة (العرق الأبيض) ليتفهم أو ينصاع لمسألة التقاسم للنفوذ العالمي وإحداث التناغم مع القوى الصاعدة لا محالة أي الصين وروسيا وربما الهند.

ومن هنا نقرأ ل"ستايسي إي. جودارد" العميدة المشاركة في كلية ويلسلي طرحها لنظرية التواطؤ والتحالف أو التواطؤ و"الكونشيرتو" كالتالي: "بعد أن اعتُبرت ظاهرةً من القرن الماضي، عادت حالة تنافس القوى العظمى ثانية"، وفيما تذكر أن " وثيقة ترامب لعام 2017 أوضحت أن منافسي واشنطن "يتنافسون على مزايانا الجيوسياسية ويحاولون تغيير النظام الدولي لصالحهم". فإن "ترامب" يرغب في الجلوس "رجلًا لرجل" مع "شي" للتوصل إلى شروط تُنظّم التجارة والاستثمار والأسلحة النووية. حيث أن "أن رؤية ترامب للعالم ليست رؤية تنافس بين القوى العظمى، بل هي تواطؤ فيما بينها: نظام "متناغم" أشبه بالنظام الذي شكّل أوروبا خلال القرن التاسع عشر. حيث أن ما يريده ترامب هو عالم يُدار من قِبل رجال أقوياء يعملون معًا - ليس دائمًا بانسجام ولكن دائمًا عن قصد - لفرض رؤية مشتركة للنظام على بقية العالم.

تأييدًا لما سبق من نظام (تحالف-تواطؤ) قال "فيودور فويتولوفسكي"، الباحث في المجالس الاستشارية بوزارة الخارجية الروسية ومجلس الأمن، لصحيفة نيويورك تايمز: "يمكننا الخروج بنموذج يسمح لروسيا والولايات المتحدة، وروسيا وحلف شمال الأطلسي، بالتعايش دون التدخل في مجالات مصالح بعضهما البعض".

تقول الكاتبة "ستايسي إي. جودارد": "لا ينبع اهتمام ترامب بتحالف القوى العظمى من فهمه العميق للتاريخ (مؤتمر فيينا عام 1815 واقتسام العالم)، بل إن شغفه به قائم على دافع حيث يبدو أن ترامب ينظر إلى العلاقات الخارجية كما ينظر إلى عالمي العقارات والترفيه، ولكن على نطاق أوسع. وكما هو الحال في هذه الصناعات، تتنافس مجموعة مختارة من أصحاب النفوذ باستمرار - ليس كأعداء لدودين، بل كأقران محترمين. كلٌّ منهم مسؤول عن إمبراطورية يديرها كما يراه مناسبًا. "

حسب هذه النظرية فإنه في سردية أو رواية "التحالف"، concert narrative لم تعد الصين وروسيا تظهران كخصمين خالصين، بل كشريكين محتملين، يعملان مع واشنطن للحفاظ على مصالحهما المشتركة. هذا لا يعني أن شركاء التحالف concert partners أصبحوا أصدقاء مقربين، بل لكي ينجح تناغم القوى/كونشيرتو، يجب أن يكون الأعضاء قادرين على تحقيق طموحاتهم الخاصة دون المساس بحقوق أقرانهم (في المقابل، يُعد المساس بحقوق الآخرين أمرًا مقبولًا وضروريًا للحفاظ على النظام)، رغم أنه لا يوجد اعتراف يُذكر بين الدول الأصغر بأن للقوى العظمى أي حقوق خاصة في فرض نظام عالمي.

والى ذلك تحذر الكاتبة  من أن مثل هذا التحالف أو التناغم والتواطؤ (الاضطراري) قد لا يدوم طويلًا، مشيرة أنه بعد مؤتمر فيينا بالقرن 19 لم يدم تحالف قوى الاستعمار الصاعدة آنذاك أكثر من 40 عامًا، ولكنها تختم بالقول "يبدو أن ترامب يعتقد أنه قادر على بناء وفاق/تناغم  concert ليس من خلال التعاون الحقيقي، بل من خلال إبرام الصفقات التجارية، معتمدًا على التهديدات والرشاوى لدفع شركائه نحو التواطؤ collusion. ".

الخاتمة:

من لا ينظر للخلف لا يستطيع -مع تقديره للحاضر- أن يتقدم للامام، فإن وقائع التاريخ تفرض نفسها في إطار المقارنة ليس للنسخ واللصق، وإنما للفهم والـتأسي والاعتبار. ومن هنا جاء الذكر لكل المفكرين والمحللين للوضع العالمي الحالي مرتبطًا بنماذج تاريخية سواء ما ارتبط بنظرية "القدر المتجلي" الامريكية، أو نظرية "تجرع المرارة" الصينية، أو مؤتمر فيينا عام 1815 أو مآلات الامبراطورية الانجليزية عندما لم تفهم مؤشرات غروب شمسها فلم تستطع أن تقرر التحالف العميق مع (مستعمراتها) في كندا واستراليا ونيوزيلاندا لتؤخر على الأقل سقوطها لمصلحة أمريكا.

وفي ذات الإطار فإن الفهم مما سبق هو المسعى الامريكي الحثيث لاستمرار سيادة العالم سواء بشكل منفرد ما فات أوانه من المؤشرات الواضحة وصولًا الى الالتزام بالعقل الغربي والتحالف فيما بينه فقط وفق بعض الدراسات والآراء مما يعني استمرار المواجهة مع الشرق أو نظرية التحالف والتواطؤ ما كان مثيلها بين أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق وكما ينظّر عقل بوتين "دوغين" أيضًا الذي اعترف أن صراع القوى يستغل الأيديولوجيات للهيمنة وتحقيق النفوذ ليس إلا (حيث حلّت القومية الروسية، والأوراسية حديثًا مكان الشيوعية ولم يتغير السعي للنفوذ والسيطرة).

وتبشيرًا بالنسبة لنا بتراجع النفوذ الأمريكي يقول الباحثان "كامبل ودوشي" أنه: "إذا فشلت الولايات المتحدة في السعي لتحقيق شراكة أوسع مع الآخرين، أوتراجعت إلى النصف الغربي من الكرة الأرضية مع فك تحالفاتها، فإن المنافسة على القرن المقبل ستكون من نصيب الصين".  

يقول الكاتب "جون كين" الأستاذ في جامعة سدني "إن الدليل على تنامي القوة العالمية الصينية واضحٌ لا لبس فيه. وينطبق الأمر ذاته على مصادر مرونتها، أو صمودها غير الاعتيادية"، فيما يقطع الكثيرون أن القرن القادم لا محالة هو القرن الصيني، ولا يتبقى أمام القوة الامريكية الا مصارعة حالة التراجع التي تعيشها رغم نظرية "القدر المتجلي"، أو تمكن الصهيونية المسيحية وحيث عليها –لتأخير تراجعها-الاستفادة من نظريات التاريخ ورؤية المستقبل سواء من خلال فهم متطور لمؤتمر فينا 1815 أو تقاسم العالم وانشاء تحالفات، والتواطؤ على دوس شعوبه الضعيفة، كما تبشر نظرية التحالف او التناغم (الكونشرتو)، ومما يتوجب إزاءه النظر بجدية لفضيلة الصبر والمثابرة وتجرع الألم عند الصينيين.

وفيما يخصنا كأمة ذات حضارة متميزة تقول الكاتبة عائشة غنيني من مركز الأهرام للدراسات "إن تعزيز وحدة الوطن العربى بات أمرًا ضروريًا لخلق قوى عربية شاملة فى النظام العالمى الجديد، قادرة على بناء ثقل سياسى واقتصادى فى الساحة الدولية والتأثير على القرارات السياسية والاقتصادية وتعضيد المركز التفاوضى للدول العربية فى المحافل والمنظمات الدولية."

يتضح لنا مما سبق شرحه أن الكبار يدوسون على الصغار ولا يلقون لهم الا بالعظام هذا إن فعلوها! فهم أجراء دومًا وليسوا شركاء، ولا تستطيع أمّة تحترم نفسها أن تفرض نفسها الا بالقوة وبكل أركان القوة أي العسكرية والسياسية الدبلوماسية والاقتصادية وحديثًا التقانية (التكنولوجية)، ومعها الرسالية او الاخلاقية، وبحقيقة التكامل الذاتي ما هو  الا حقيقة الشعوب ضمن الجغرافيا السياسية الواحدة التي لها من الدور الكبير الشيء الكثير الذي قد يمكن أي أمة أن تضع لها مقعدًا على طاولة تقاسم النفوذ بالعالم.

المصادر:

  1. مقال صعود وسقوط تنافس القوى العظمى:مجالات نفوذ ترامب الجديدة، ستايسي إي. جودارد مترجمة لنا من  موقع https://www.foreignaffairs.com   

2-"كيرت م. كامبل وراش دوشي" من معهد "الشؤون الخارجية (فورين أفيرز) في ورقتهما المعنونة: "الاستخفاف بالصين لماذا تحتاج أمريكا إلى استراتيجية جديدة على نطاق التحالف لموازنة مزايا بكين الدائمة-مترجمة

3-عن نشرة الشؤون الخارجية-فورين أفيرز-١٦ أبريل ٢٠٢٥ مايكل بيكلي تحت عنوان: The Age of American Unilateralism ، وترجمة فريق مركز الانطلاقة للدراسات والاستناد الى تطبيق المترجم في غوغلGoogle  مع تصويبنا الأفضل-مركز الانطلاقة للدراسات

4-التعريفات الجمركية موضحة ببساطة-جيرمي هاموند

5-فريدمان: المستقبل في الصّين وليس في أميركا-إيمان شمص -أساس ميديا-3/4/2025م

6-ما هي عقيدة "القدر المتجلي" الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟-أحمد الدبش- 27/4/2025

7- فرانكلين فوير، خريطة الإمبراطور ترامب الجديدة، مترجمة من موقع   ttps://www.theatlantic.com

8- مقال "زونغيوان زوي ليو" كيف جهزت الصين نفسها للحرب التجارية ومبدأ "تذوق أو تناول المرارة" والأجيال. How China Armed Itself for the Trade War

9-جون كين، استعادة عظمة امريكا: الصين، والانحدار الامبراطوري والديمقراطية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

10- دنلوب، جون ب. أسس الجغرافيا السياسية عند ألكسندر دوغين، ستانفورد-المركز الأوربي.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...