لا للخطة الإسرائيلية الأميركية

الكاتب: عمر حلمي الغول
قبل التأكيد على رفض الخطة الإسرائيلية الأميركية الهادفة لعسكرة المساعدات الإنسانية على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وتمرير خطة التهجير القسري المرفوضة من خلال عملية الابتزاز الرخيص للمواطنين، وفي الوقت نفسه استهداف المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية بالقتل، والقرصنة والاستحواذ على دور المؤسسات الأممية وخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"، التي مازالت موجودة في القطاع. أود ان أُعيد نشر ما أوردته صحيفة "النهار اللبنانية" ووكالات الانباء قبل يومين، حول دلالة اسم العملية العسكرية الجديدة في قطاع غزة، والتي صادق عليها الكابينيت فجر أول أمس الاثنين 5 أيار / مايو الحالي واختار لها اسم "عربات جدعون".
ووفق المنابر الإعلامية فإن لهذا الاسم دلالات دينية وتاريخية وعسكرية مقصودة، تتمثل في الآتي: أولا المعنى الرمزي ل "عربات جدعون": 1- جدعون، هو شخصية توارتية من سبط منسّي، عُرف بأنه قاد مجموعة صغيرة من المقاتلين وانتصر على جيش المديانيين الأكبر عددا عبر حيلة وخطة عسكرية ذكية، حسب النص التوراتي (سفر القضاة). 2- في اللاهوت العسكري الصهيوني، يمثل جدعون رمزا للنصر من موقع ضعف أو قلة عدد والاعتماد على "الشرعية الإلهية في القتال." 3- عربات: تشير الى مركبات القتال الحربية القديمة، وهي رمز للقوة والتحرك السريع والانقضاض، وفي السياق الحديث، تشير الى الدبابات والصواريخ والتقدم العسكري التكنولوجي والسيبراني.
الخلاصة، اختيار اسم "عربات جدعون" تم بعناية ليعطي شرعية دينية وتاريخية للعملية، ويوحي بالقوة والعزيمة في القتال، وفي الوقت نفسه يعكس الطابع الاستعماري القديم الجديد للعملية، ويعيد الصدى التاريخي لعمليات الطرد والتشريد والهيمنة على الاخر الفلسطيني، حيث يعاد استخدام شخصيات توراتية لإضفاء قداسة على العنف والإرهاب والابادة العسكرية ضد الشعب العربي الفلسطيني.
وبالمناسبة ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها اسم جدعون في العمليات العسكرية الاستعمارية ، حيث استخدم الاسم في العام 1948 في السيطرة على منطقة بيسان. وهو ما يعكس الخلط المقصود والمتعمد من قبل مفكرو وقادة الحركة الصهيونية بين البعدين الديني اللاهوتي الميثالوجي والعلماني، في خلطة عجيبة، تكشف مدى تعفن ورجعية الحركة والنظرية الصهيونية، سابقة النازية الألمانية في التأصيل للنازية بالفكر والشعار والممارسة، وهو ما أدى الى انتاج الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني.
وأي كان اسم العملية العسكرية الجديدة، وبغض النظر عن الدلالات الدينية والسياسية والعسكرية والتاريخية، فإن 19 شهرا من "السيوف الحديدية" و"القيامة" وجهنم الإبادة الجماعية، وحيث كان جيش الإبادة والموت الإسرائيلي بكامل قوته ولياقته العسكرية لم يتمكن من تحقيق أي من أهداف الائتلاف النازي الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو الا الإبادة والتجويع ونشر الامراض، فهل تغيير اسم العملية العسكرية حاليا ورئيس الأركان القاتل القديم الجديد سيحدث تطورا نوعيا، والجيش الاسرائيلي في حالة تآكل وتمردات بين ضباط وجنود الاحتياط، ورفض الحريديم الالتحاق بوحداته؟ لولا سلاح الجو وقيادة الولايات المتحدة عملية الإبادة منذ الثامن من تشرين اول / أكتوبر 2023 لفقدت إسرائيل قوتها وهيبتها واندحرت إن لم تكن تآكلت، وانقسمت على نفسها بشكل غير مسبوق وتلاشت.
وبالعودة الى الخطة الإسرائيلية الأميركية المرفوضة جملة وتفصيلا من قبل الشعب والقيادة والنخب والمنظمات الحقوقية الفلسطينية ومن الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات الدولية الإنسانية ذات الصلة بتقديم الخدمات الاغاثية الإنسانية، ومن الدول الأوروبية والعربية وغيرها، لأنها ذات خلفيات واهداف خبيثة ومسمومة، فضلا عن انها تتنافى مع البعد الإنساني، لا بل هي عنوان للقرصنة العسكرية ولتجريد الانسان الفلسطيني من انسانيته، وإعادة هندسته وتحويله الى قطيع من الجياع، ونزع الطابع الاغاثي الإنساني عن المساعدات للمواطنين الفلسطينيين.
لكن لا يكفي تشخيص اهداف وخلفيات الخطة، ولا الاكتفاء برفضها، ولا مناشدة هيئة الأمم المتحدة والهيئات الأممية الأخرى لتطوير عملها، انما المطلوب فلسطينيا أولا وقبل كل شيء وضع خطة وطنية شاملة لوأد الخطة الإسرائيلية، وقطع الطريق عليها فورا ودون تلكؤ. وهذا يتطلب تشكيل لجنة وظنية موسعة بقيادة رئيس المجلس الوطني أو عضو لجنة تنفيذية وتضم أعضاء من المجلسين المركزي والوطني وفصائل العمل الوطني واللجنة الحكومية المشكلة لإدارة القطاع وقادة الأجهزة الأمنية المكلفين بملف قطاع غزة ومن النخب الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والإعلامية والثقافية والتربوية تبادر فورا لعقد اجتماعات لوضع الخطط الميدانية العملية، تنبثق عنها لجنة مصغرة تتواصل مع القطاعات المختلفة من قطاع غزة بهدف تكليفها بمهام محددة، أهمها تشكيل لجان حماية شعبية في التجمعات السكانية المختلفة لحماية السكان، وترصد لها الإمكانيات المالية واللوجستية الكفيلة بتأمين تعزيز صمود المواطنين في القطاع، ومواجهة قطاع الطرق واللصوص والعصابات المنفلتة والتجار مصاصو دماء الشعب، الذين تحركهم إسرائيل وجشعهم ومن يتساوق معهم في الشارع الغزي، ورفض التعاطي مع خطة العدو الإسرائيلي الأميركي، ودعم وكالة الاونروا والهيئات الدولية الإنسانية العاملة في القطاع لتواصل مهامها الاغاثية الانسانية، والتنسيق بهذا الصدد مع الاشقاء المصريين بشكل خاص لتسهيل مهمة ادخال المساعدات الإنسانية بالوسائل المختلفة، آن الأوان لكسر الحصار وحرب التجويع والابادة، ولا يجوز البقاء في دائرة الرفض والاستنكار والتشخيص للوضع. لأنه بات معروفا للقاصي والداني، نريد خطوة عملية الان أفضل ألف مرة من البرامج والخطط على الورق دون تنفيذ.
ويمكن تطوير المقترح من خلال الحوار المشترك والمخرجات التي تنبثق عن الاجتماعات العاجلة، ويفترض ان تكون القيادات كافة من مختلف المستويات في حالة استنفار حقيقي لمواجهة الكارثة والابادة وحرب التجويع والامراض في القطاع. غادروا مواقع الانتظار، لم يعد هناك متسع من الترف والدوران في حلقة مفرغة. فهل نحن فاعلون؟