زيارة ترمب... حدود التوقعات

الكاتب: نبيل عمرو
منذ أعلن الرئيس دونالد ترمب عن أن المملكة العربية السعودية ستكون المحطة الأولى في زياراته الخارجية، قبل أن يضيف إليها دولتي الإمارات وقطر.
ودون ارتباطٍ مباشرٍ وتركيب دلالات خاصة على استثناء إسرائيل من هذه الجولة، نظر العالم للزيارة آنذاك من زاوية التطبيع السعودي مع إسرائيل، انطلاقاً من أن الرئيس ترمب هو الرائد الأول لمسارا أبراهام الذي أنتج علاقاتٍ ديبلوماسيةٍ رسميةٍ بين العديد من الدول العربية وإسرائيل، ووعد ببلوغ الذروة من خلال تطبيعٍ سعودي يجعل من الدول العربية غير المطبعة كمّاً ونوعاً مجرد أقلية.
إلا أن الملاحظ هو خفوت النغمة "الإبراهيمية" كثيراً هذه الأيام إلى حد التلاشي.
المملكة العربية السعودية تميزت في زمن التقلبات الجذرية التي حدثت على مستوى الشرق الأوسط والعالم، بأنها توظف وبميزانٍ دقيق، أوراقها وإمكاناتها في لعبة الأمم الجديدة، وأول ما بلورته المملكة وأسست عليه سياستها تجاه كل التطورات في الإقليم والعالم... أن الذهاب إلى جذور الصراعات والحروب ومعالجتها بتسوياتٍ متوازنةٍ ودائمة، هو السبيل العملي الوحيد لإنهاء "دوريات الحروب" التي لم تعد مجرد ظاهرةٍ شرق أوسطية، بل انضمت إليها أوروبا التي فُرضت عليها حربُ لا مغالاة حين توصف بالمصيرية من كل النواحي.
المملكة بدأت بنفسها من خلال تبني سياسة الصفر مشاكل، وأولها مع الجار الإيراني بما له وما عليه في الماضي والحاضر. وأظهرت مرونةً مدروسةً ولكن حذرة تجاه مسار أبراهام، ووظفت كل ما لديها من أوراق نفوذ لجعله متوازناً وأساسه حل القضية الأم، وفقاً لإجماعٍ دوليٍ ساهمت في بلورته بهدف إخراج حل الدولتين من ثلاجة المبدأ والشعار، إلى واقعٍ عملي أساسه قيام الدولة الفلسطينية التي ما تزال ممنوعةً مع أنها مصدر النزاعات والحروب والاضطرابات في الشرق الأوسط، كما أنها العقبة الكأداء أمام استكمال مسار أبراهام بوصوله إلى محطته المفصلية.
المملكة وهي ماضيةٌ في هذا الاتجاه، تمكنت من إحداث تحول إيجابي، في مفهوم الواقعية السياسية، ذلك من خلال الفرز الذي أوجدته في مسألة التسوية الجذرية للقضية الفلسطينية، حيث يقف العالم كله معها، في هذا الشأن بينما المواقف المناوئة للفكرة والهدف، باتت معزولةً تماماً.
قبل عملية السابع من أكتوبر، وما تلاها من حربٍ إقليمية غير معلنة بهذه التسمية، جرت على عدة جبهاتٍ في وقتٍ واحد، وأحدثت دماراً ونزفاً دموياً غير مسبوقٍ في تاريخ حروب الشرق الأوسط، قبل تلك العملية كانت احتمالات فتح مسارٍ سياسي بشأن القضية الفلسطينية، أكثر منطقيةً على ضعفها مما هي عليه الآن، لنجد أنفسنا أمام واقعٍ مستجدٍ يجعل من مجرد الحديث عن تسوية سياسية ضرباً من ضروب اللا منطقية واللامعقول، ذلك أن القضايا المستجدة وأشدها تعقيداً قضية غزة، وعصفها الخطر على الضفة، وامتدادها غير المحسوم حتى الآن على الجبهة الشمالية حتى باب المندب، واستفحال المضاعفات الكارثية للعجز الدولي عن إيجاد حلولٍ لمأساة غزة، كل ذلك جعل من الحديث مع المملكة حول تطبيعٍ ولو بخطواتٍ أوليةٍ محدودة، أمراً غير منطقي، فلا المملكة في وارد الإصغاء للكلام القديم حول هذه الحكاية ولا ترمب يملك الأوراق الحاسمة التي تفرض على إسرائيل مرونةً بشأن التسوية الفلسطينية، ولا الواقع على الأرض حيث الحرب لم تضع أوزارها بعد، يسمح بفتح مسارٍ سياسي، تشارك فيه أو ترعاه الإدارة الأمريكية المنهمكة في نزاعاتٍ مع معظم دول العالم الحليفة والمعادية والمنافسة.
غير أن لزيارة ترمب مزايا تستحق أن تؤخذ في الاعتبار، أولها ما هو متاحٌ للملكة من تطوير لعلاقاتها الثنائية مع الدولة العظمى في كل المجالات، التي تراها المملكة تصب في مصالحها كدولة إقليمية عظمى ذات حضورٍ قويٍ في الحياة الدولية المعاصرة.
وكذلك.. هي فرصةٌ ليسمع الرئيس الأمريكي حقائق إمّا غائبةً عنه أو أنها تقدم له بصورةٍ مضللة تقوده إلى قراراتٍ على شاكلة صفقة القرن، أو فتح أبواب جهنم على غزة وأشياء كثيرةً من هذا القبيل.
في هذا الشأن سيسمع لغةً واحدة من دول بعضها قام بالتطبيع، والبعض الآخر لا يعارض الفكرة، ولا يحاربها، بل يضع شروطاً حتميةً لنجاحها، إذا كان القصد هو إنهاء حروب الشرق الأوسط واستبدالها بتسوياتٍ جذرها حل القضية الفلسطينية بما يرضي العرب والفلسطينيين والعالم.
المملكة تتأهب وبمشاركةٍ فرنسيةٍ وحضورٍ دوليٍ شامل، لإطلاق مؤتمر الدولة الفلسطينية، لتوضع بقوة على جدول أعمال العالم كقضيةٍ بحاجةٍ ملحةٍ للإنجاز، ولا بد من مناقشة الأمر مع ترمب لما لأمريكا من قدراتٍ فعليةٍ على إنجاح أي مسعىً نحو التسوية أو إفشاله، وإلى أن تتبلور خلاصات الزيارة المرتقبة بإعلاناتٍ رسميةٍ من أطرافها مباشرةً، فليس لنا ولغيرنا سوى محاولة التوقع.