لا تبالغوا بتداعيات الخلافات

الكاتب: عمر حلمي الغول
من اللافت للنظر في الآونة الأخيرة تناول وسائل الاعلام الإسرائيلية والأميركية والعربية التباينات الأميركية الإسرائيلية، التي خرجت الى العلن، ولم تعد حبيسة الغرف المغلقة، رغم ان اركان إدارة ترمب حرصوا الى وقت قريب على التأكيد ان هناك توافق تام مع حكومة بنيامين نتنياهو. لكن بعد فتح بوابة المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي، وابرام اتفاق مع الحوثيين في اليمن مؤخرا دون التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، ودون معرفتها بذلك الا من خلال وسائل الاعلام، أكد بما لا يدع مجالا للشك، من أن هناك تباينا واضحا وكبيرا بين واشنطن وتل ابيب، وزاد الطين بلة، تواصل الإدارة الأميركية مباشرة مع حركة حماس، التي أبدت الاستعداد للإفراج عن الرهينة الإسرائيلية الأميركية عيدان ألكسندر، كبادرة حسن نية، مما أثار المزيد من الاستياء الإسرائيلي من مواقف الرئيس دونالد ترمب.
وهذا ما عكسته مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، الذين نقلوا على لسانه قوله "الإدارة الأميركية تعيش حالة من الفوضى الكاملة، ومن غير الواضح ما الذي يحدث داخل البيت الأبيض، كل شيء يسير وفق مزاج ترمب، اليد اليمنى ليست متزامنة مع اليد الاسرى – نحن بحاجة ويجب ان نعتمد على أنفسنا فقط." وتعميقا لهذا الموقف، ونقلا عن مصادر صحفية مطلعة، قال رئيس الائتلاف الحاكم خلال جلسة خاصة للجنة الامن والخارجية في الكنيست، نحن "نحصل على 4 مليارات دولار سنويا لشراء السلاح، أعتقد أننا سنتجه الى الاستغناء عنها، كما فعلنا مع المساعدات الاقتصادية." وبالتناغم مع موقف رجل إسرائيل القوي، قال الوزير الإسرائيلي، آفي ديختر، على خلفية التقارير عن الخلافات المعلنة، بأن ترمب سيمارس ضغطا على إسرائيل للتوصل الى صفقة بعد الإفراج عن عيدان ألكسندر: "لسنا النجمة ال51 في العلم الأميركي؛ أهداف الحرب لم تتغير." في إدارة ظهر واضحة للولايات المتحدة الأميركية، وفي استعلاء وغطرسة فولصو ووهمية.
وبالمقابل وجه ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي للمنطقة، انتقادات لاذعة لحكومة نتنياهو في لقاء مع عائلات الرهائن الاسرائيليين، مؤكدا أن إسرائيل تطيل أمد الحربـ بدون أفق للمضي قدما"، وأضاف "نريد إعادة المختطفين، لكن إسرائيل ليست مستعدة لإنهاء الحرب." وتابع في تصريحاته، التي وصفتها القناة العبرية "12"، بأنه "لم يسمع بها علنا من قبل لسلوك إسرائيل"، إن "إسرائيل تمدد الاتفاق (وهو يقصد الحرب) على الرغم من اننا لا نرى الى اين يمكننا المضي قدما." يأتي ذلك مع اقتراب زيارة الرئيس ال47 للمنطقة.
وبالمقابل أشاد الرئيس الاميركي أول أمس الاحد 11 أيار / مايو الحالي بالإفراج عن الرهينة عيدان، معربا عن أمله بإطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء القتال." ليس هذا فحسب، بل انه وصف الحرب في تعقيبه على الإفراج عن الرهينة حامل الجنسية الأميركية "نأمل أن تكون هذه أولى الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء هذا النزاع الوحشي." وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الرئيس الأميركي مثل هذا الوصف للإبادة الجماعية، حيث لم يحدد من يقف وراء هذا النزاع "الوحشي"، كما هي العادة، وتركها مبهمة، لكنها تحمل في طياتها إشارة لإسرائيل، إذا ما ربطناها بتصريحات مبعوثه للمنطقة.
ووفق مصادر عليمة ان الخلافات بين الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، جاءت في اعقاب اكتشاف الأول أن الثاني يحاول ان يلعب به، ويستخدمه كدمية في تحقيق مآربه، واساسا من يعود لنهاية الولاية الأولى للرئيس الأميركي، يتذكر، ان ساكن البيت الأبيض أعلن عن أكثر من موقف ضد شخص ساكن شارع بلفور في القدس الغربية.
ومع ذلك، أود التأكيد مجددا، لا يجوز لكائن من كان، ان يبالغ ويضخم في حجم التباينات بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل اللقيطة، لأن الثابت فيها العلاقات الاستراتيجية. والجميع يعلم ان هذه الخلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، وسبقها خلافات بين الرئيس الأميركي بوش الاب واسحق شامير، رئيس حكومة إسرائيل في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وأيضا بين حكومات نتنياهو وإدارة الرئيس أوباما، وبين نتنياهو والرئيس بايدن، فالتباينات والتناقضات ذات طابع آني وتكتيكي، لكن الاستراتيجي يتمثل في حماية إسرائيل والمحافظة على مكانتها الأولى في إقليم الشرق الأوسط. وأكاذيب نتنياهو عن التخلي عن السلاح الأميركي وال4 مليار دولار، ليست سوى تضليل وافتراء على الذات والراي العام الاسرائيلي، ولا تمت للواقع بصلة، واما عن تصريح آفي ديختر، الذي يدعي ان إسرائيل ليست النجمة 51 في العلم الأميركي، هذا صحيح، لأن مكانة إسرائيل كأداة وظيفية لا يرقى لأن تكون النجمة ال 51، وكون الولايات المتحدة يمكن لها في لحظة تاريخية بعينها أن تتخلى عنها كليا، ومثل هذا التحول لن يكون بعيدا، ولا مستحيلا.
مع ذلك، تفرض الضرورة على الاشقاء العرب الاستفادة من التناقضات الراهنة بما يخدم توجهاتها الوطنية والقومية، والدفع بإقناع الرئيس ترمب بتبني قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والموافقة على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، رغم ان بعض المراقبين يفترض أن التضخيم مفتعل بهدف إلهاء العرب، أو دغدغة مشاعرهم، ومن جانب أخر تضخيم المعارضة الإسرائيلية للتناقضات بين نتنياهو والرئيس ترمب، بهدف تعميق التحريض عليه في أوساط الشارع الإسرائيلي. وأي كانت التقديرات او السيناريوهات للخلافات بين الرجلين، فإنها لن تؤثر على العلاقات الوطيدة والاستراتيجية بين البلدين والى حين.