احتفالٌ تحت السلاح بقرارٍ فاشل

الكاتب: رأي مسار
اليوم تحيي إسرائيل الذكرى الثامنة والخمسين لقرارها الاحتلالي بضم القدس الشرقية، وإعلان القدس الموحدة عاصمةً للدولة العبرية.
واقع القدس منذ الأيام الأولى لحرب حزيران 1967 وحتى يومنا هذا، يؤكد فشل مشروع الضم والتوحيد، ولتأكيد هذا الفشل تتجلى قرائن حاسمة يدركها الإسرائيليون أكثر من غيرهم، ولو أنهم يتظاهرون بإنكارها وعدم الاعتراف بها.
القدس تبدو لأي زائرٍ بتجول فيها مدينة محتلة بالفعل، وإذا ما قررت إسرائيل القيام بتظاهرة احتفالية فيها كتظاهرة الأعلام السنوية مثلاً، فإن عشرات آلاف الجنود والضباط المدججين بالسلاح ينتشرون فيها، مع حواجز أمنية لا عدّ لها تقطّع أوصال المدينة كما لو أنها تعتقل سكانها في بيوتهم وأحيائهم.
فأين القدس بواقعها الراهن من أن تكون عاصمة عادية مادام نصف السكان المقيمين فيها لا يعترفون بها عاصمة، والنصف الآخر لا يشعر فعلاً بأنه يعيش في عاصمة، وإسرائيل التي أغرقت منطقة القدس بالاستيطان والمستوطنين، لتطويقها بكثافة سكانية ضاغطة على الفلسطينيين المقيمين والمتجذرين فيها، وأنفقت مليارات الدولارات لتغيير هويتها ووجها ومعالمها، لم تستطع على مدى ثمانية وخمسين عاماً من وقف تنامي الوجود الفلسطيني فيها، الذي يقابله نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين الذين ينزحون عنها إلى مناطق أخرى.
أمّا القدس كعاصمة لإسرائيل، فهي إجراءٌ وادّعاءٌ من جانب واحد، إذ لا يعترف العالم بها، حتى الذين اعترفوا ونقلوا سفاراتهم إليها لا ينكرون أن مصير المدينة النهائي لا تقرره الإجراءات الأحادية بل التفاوض مع الفلسطينيين.
اليوم تنطلق الاحتفالات بالذكرى الثامنة والخمسين لقرار فاشل لم يجعل من القدس عاصمة عادية للدولة العبرية، بل ظلت منذ اليوم الأول لصدور القرار الاحتلالي وإلى يومنا هذا، واحدة من أعمق وأكبر قضايا النزاع بين المحتلين والمواطنين الأصليين، ولا مجال لتسويته إلا إذا عادت المدينة الفلسطينية إلى ما كانت عليه يوم الرابع من حزيران 1967، لتجسد فعلاً عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
العالم كله يتبنى هذا الحل ولا يعترف بغيره، والفلسطينيون يخدمونه بصمودهم وبقائهم على أرضهم، وإسرائيل التي تنظم اليوم مسيرة الأعلام تحت السلاح، تعرف أكثر من غيرها أن القدس مدينة محتلة أكثر بكثير من كونها عاصمة لإسرائيل.