حماس... المناورة في المساحات الضيقة

الكاتب: رأي مسار
منذ بداية الحرب على غزة، وفي عهدي الإدارات الديموقراطية والجمهورية، عُرض على حماس مبادرات لا تعد ولا تحصى، لوقفٍ مؤقتٍ لإطلاق النار، وتبادلٍ محدود العدد للمحتجزين والأسرى، بعضها تحقق ومعظمها لم يتحقق.
كان هذا في الماضي، أمّا اليوم، فقد عرض السيد ويتكوف مع اعتبره مبادرةً جديدةً أو معدّلة، وقبل أن تُعرض على حماس، حصل على موافقةٍ إسرائيليةٍ عليها وبلا تحفظات، الموافقة الإسرائيلية كانت في جيبه أساساً، لأنه لا يصوغ أمراً يتصل بإسرائيل دون التشاور معها والحصول على موافقةٍ منها.
حماس مضطرةٌ للتعامل مع الأمريكي كوسيط، وهي تدرك أنه إن لم يكن العرّاب الأعلى للحرب، فهو الشريك المباشر والمقرر فيها، وحين تطالب حماس أمريكا، بتقديم ضماناتٍ لها بإنهاء الحرب، فالأمريكيون وعبر كل إداراتهم لا يقبلون كلمة ضمانات، وحتى لو قبلوا كلمة قريبةً منها كالالتزامات والتطمينات، فهي لا تستطيع حماية هذه الكلمة إذا ما قرر الإسرائيليون التمرد عليها في وقتٍ ما، حدث ذلك مع الفلسطينيين طيلة علاقتهم المستجدة مع الأمريكيين في زمن مدريد أوسلو، ما أقنع صنّاع القرار بأن ضمانةً أو تطمينات أو تعهداتٍ أو التزاماتٍ أمريكية، هي في الواقع لا صدقية لها وأن بوسع إسرائيل أن تلغيها وكأنها لم تكن.
المساحات الضيقة التي تتحرك فيها حماس هي موجودةٌ على الأرض حيث الاحتشاد العسكري الإسرائيلي يغرق غزة بالجنود والدبابات ويمطرها في كل لحظة، بعشرات ألوف القذائف من البر والبحر والجو، ولو راجعنا كل الحروب التي وقعت في التاريخ لما وجدنا شبيهاً لحرب غزة، حيث احتشاد مئات الألوف في المكان الضيق لم يحدث مثله في كل الحروب السابقة حتى العالمية منها.
أمّا خارج غزة فلم تعد حماس تجد من يؤازرها لافي مقاومتها داخل غزة، ولا في سياساتها المتصلة بالوساطات ووقف النار وإنهاء الحرب، لذا وإن كانت تطرح مطالب محقة، إلا أن قدرتها على تنفيذ هذه المطالب تبدو مضغوطةً في المساحات الضيقة.
الآن هنالك عرض من جانب ويتكوف، أفضل ما فيه وقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً وغزة بحاجةٍ ماسةٍ لذلك، وبالدرجة الثانية فإدخال المساعدات بصورة منتظمة وكافية، هو أيضاً ما تحتاجه غزة بشدة، وهذا عامل ضغطٍ على حماس يصعب تفاديه حين دراسة العروض واتخاذ القرارات.
نتنياهو رهانه دائماً على رفض حماس للمقترحات، ولكن حين كانت تخذله وتوافق كان يخترع مخارج للهروب من الالتزامات، هو الآن سوف يتاجر بقبوله مقترحات ويتكوف الأخيرة، ويبيعها اعتدالاً للعالم ومرونةً للمتظاهرين في تل أبيب من ذوي المحتجزين، وفي نفس الوقت يضمن سلامة وبقاء ائتلافه وبالذات إغلاق الفرص أمام بن غفير وسموتريتش لمغادرته.
هذه هي اللعبة الآن، وتدرك حماس أنها تناور في المساحات الضيقة ودعونا نرى إلى أين ستصل الأمور بشأن الهدن والتبادل وإنهاء الحرب.