مقترح ويتكوف هل هو خطوة إلى الأمام أم عودة إلى المراوحة؟

الكاتب: نبهان خريشة
مع تصاعد الضغوط الدولية وتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، عاد الحديث مجددًا عن احتمال التوصل إلى هدنة وتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة حماس، استنادًا إلى مقترح جديد طرحه الوسيط الأميركي ويتكوف. ورغم الأجواء المشحونة والتصريحات المتناقضة، فإن المشهد لا يزال ضبابيًا، ويصعب الجزم بإمكانية التوصل إلى اتفاق في الأمد القريب. فالطريق إلى التهدئة ما زال محفوفًا بالعقبات السياسية والتباينات الجوهرية بين الطرفين، بل إن المقترح الجديد نفسه، بدل أن يشكل أرضية مشتركة، يبدو أنه عمّق فجوة الشكوك بين حماس والوسيط الأميركي، وأثار حفيظة الحركة التي لم تُبدِ رفضًا رسميًا له، لكنها أعربت بوضوح عن خيبة أمل من مضمونه، واعتبرته منحازًا لإسرائيل أكثر من أي مقترح سابق.
وبحسب ما كشفه موقع "ويللا" الإسرائيلي، فإن مقترح ويتكوف استجاب لغالبية المطالب التي قدّمها الوزير الإسرائيلي رون ديرمر خلال اللقاء الذي جمعهما الثلاثاء الماضي، ما يثير تساؤلات جدية حول توازن الطرح وحياديته. وفي ظل غياب أي ضمانات أميركية واضحة تربط بين وقف إطلاق النار المؤقت والتوصل إلى هدنة دائمة، فإن حماس تنظر إلى المقترح بريبة، خاصة مع التجارب السابقة التي انتهت بانسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من التفاهمات، كما حصل في شهر مارس، ما يكرّس انعدام الثقة. وبحسب المصدر الذي نقل عنه موقع "ويللا"، فإن المقترح لا يضمن استمرار وقف إطلاق النار تلقائيًا في حال استمرت المفاوضات بعد انقضاء مهلة الستين يومًا، وهو ما يعني أن إسرائيل تحتفظ بخيار العودة إلى العمليات العسكرية متى شاءت، دون أن يترتب على ذلك أي التزام دولي أو مساءلة سياسية.
وفي هذا السياق، تبدو ردود الفعل من جانب حماس متأنية وحذرة، فهي لم ترفض المقترح رسميًا، لكنها تسعى إلى استثمار لحظة التفاوض للضغط باتجاه إدخال تعديلات جوهرية على بنوده، بما يضمن الحد الأدنى من شروطها السياسية، وعلى رأسها ربط أي اتفاق أولي بمسار يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، إضافة إلى ضمانات جدية بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية وتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. ومع ذلك، فإن التقديرات في الأوساط الإسرائيلية ترجّح أن حماس سترفض المقترح في نهاية المطاف، معتبرة أنه لا يلبي الحد الأدنى من مطالبها، ولا يمنحها ورقة سياسية يمكن تقديمها للشارع الغزي أو للقوى الإقليمية الداعمة.
من جهة أخرى، يحاول نتنياهو، أن يوازن بين الضغوط الدولية المتزايدة من جهة، وضغوط الشارع والائتلاف اليميني المتطرف من جهة أخرى، حيث ترفض قطاعات واسعة من اليمين الإسرائيلي أي تسوية قد تؤدي إلى وقف الحرب قبل "تحقيق النصر الكامل"، وهو المفهوم الذي ظلّ فضفاضًا وغير قابل للتحقق ميدانيًا. وفي هذا الإطار، جاءت تصريحات القناة 12 الإسرائيلية لتؤكد أن اتفاق ويتكوف لا يتضمن أي تغيير جوهري في التموضع العسكري الإسرائيلي، ولا في آلية توزيع المساعدات خلال فترة وقف إطلاق النار، ما يعكس تمسك الحكومة الإسرائيلية بمواقفها الأساسية، ويقلل من فرص حدوث اختراق سياسي في المدى المنظور.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، فإن احتمال التوصل إلى هدنة ما زال ممكنًا من حيث المبدأ، لكنه مرهون بعوامل متعددة تتجاوز مضمون المقترح نفسه، وتطال طبيعة المواقف الإقليمية والدولية، ومدى استعداد واشنطن للضغط على الطرفين، خاصة إسرائيل، لتقديم تنازلات فعلية. فحتى الآن، تبدو الإدارة الأميركية مترددة في فرض رؤيتها بقوة، وتفضل اتباع نهج توافقي، رغم إدراكها المتزايد بأن الأوضاع الميدانية قد تنزلق إلى فوضى شاملة إذا لم يُكبح جماح التصعيد.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الاتفاق لا يزال بعيد المنال، ليس فقط بسبب مضمون مقترح ويتكوف الذي لم يرقَ لتوقعات حماس، بل لأن السياق السياسي العام لا يوفر الأرضية اللازمة لإنجاح أي اتفاق. فغياب الثقة، واستمرار العمليات العسكرية، ورفض تقديم تنازلات حقيقية من كلا الطرفين، كلها عوامل تجعل من الصعب تصور ولادة اتفاق مستدام في المدى القريب. ومع ذلك، فإن عدم رفض حماس للمقترح بشكل رسمي يترك الباب مواربًا أمام احتمال إدخال تعديلات عليه، في حال حدث تطور خارجي ضاغط، سواء على صعيد الموقف الأميركي أو من خلال وساطات إقليمية أكثر توازنًا. وفي المحصلة، فإن كل طرف يسعى لفرض روايته وتحقيق مكاسب سياسية، لكن الواقع الميداني والإنساني قد يفرض إيقاعه على الجميع في لحظة ما، فتُنتزع الهدنة من بين ركام الحسابات الضيقة.