الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:56 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:17 PM
المغرب 7:47 PM
العشاء 9:18 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

إسرائيل تستهدف الدبلوماسية الدولية

الكاتب: د. دلال صائب عريقات

في جنين، لم تكن رصاصات الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت وفداً دبلوماسياً أوروبياً حادثاً عارضاً أو خطأً فردياً، بل كانت رسالة واضحة ومقصودة: لا حصانة لأحد، حتى أولئك الذين يفترض أنهم يتمتعون بامتيازات الحصانة الدبلوماسية الدولية. إسرائيل لم تعد تكتفي باستباحة دماء المدنيين، بل باتت ترى في أي وجود دولي على الأرض الفلسطينية تهديداً لروايتها المصطنعة، وتعمل على قمعه بعنف غير مبرر.
الرسالة التي حاولت إسرائيل إيصالها من خلال هذا الاعتداء مركبة ومعقدة: هي ليست فقط إهانة متعمدة للدبلوماسية الدولية، بل إعلان بأنها فوق القانون، وأنها مستمرة في مشروعها الاستعماري بغض النظر عن التبعات أو المراقبة الدولية. إسرائيل تدرك جيداً أن غياب الردع الجدي والمساءلة الصارمة هو ما سمح لها بتحويل ممارساتها إلى سياسة رسمية. حين تستهدف دبلوماسيين أوروبيين، فإنها في الواقع تمتحن حدود الصبر الدولي، وتختبر مدى استعداد هذا العالم للدفاع عن المبادئ التي يدّعي تبنيها: حقوق الإنسان، احترام القانون الدولي، وحصانة التمثيل الدبلوماسي. هذه الحادثة ليست فقط عدواناً على دولة أو ممثل دبلوماسي، بل هي عدوان على المنظومة الدولية بأكملها، وتحدٍّ سافر لكل القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول. فحين يُستهدف وفد دبلوماسي بالرصاص، فإن الرسالة موجهة إلى الجميع: لا حصانة لأحد، ولا مكان للعدالة أو القانون في ظل هيمنة القوة العسكرية. لقد أظهرت إسرائيل، مراراً وتكراراً، أنها تعتبر كل جهد دولي إنساني أو سياسي تهديداً مباشراً لها، ولذلك تلجأ إلى الترهيب والعنف لعرقلة أي مراقبة أو توثيق. فهي تخوض حرباً مفتوحة على الحقيقة، وتسعى لاحتكار السردية وطمس الأدلة، في محاولة لتفادي المساءلة الدولية.
هذا الأسبوع تمنع إسرائيل دخول الوفد الدبلوماسي العربي والذي يضم وزراء خارجية السعودية، مصر، الأردن، الإمارات، قطر وتركيا — من دخول الأرض الفلسطينية المحتلة، إن هذه الخطوة تمثّل رفضًا سافرًا لأي تحرك عربي مشترك يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، ومحاولة لعزل القيادة الفلسطينية ومنع دعمها سياسيًا ودبلوماسيًا. هذا المنع لن يكون مجرد إجراء أمني، بل رسالة سياسية واضحة تؤكد أن إسرائيل ترفض أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية، حتى الرمزية منها، وتخشَى من تشكّل محور عربي إقليمي قادر على الضغط لإعادة إحياء المسار السياسي الفلسطيني.
القرار يُعدّ:
• انتهاكًا صارخًا للأعراف الدبلوماسية والقانونية الدولية.
• مؤشرًا على إخفاق إسرائيل في تأمين دعم إقليمي حقيقي رغم اتفاقيات التطبيع.
• مؤشرًا خطيرًا على هشاشة مسار التطبيع مع السعودية، إذ أن منع دخول وزير خارجيتها يُعبّر عن أزمة ثقة عميقة بين الجانبين.
منع الوفد هو جزء من سياسة احتلالية ممنهجة تسعى لتقويض الحضور العربي في فلسطين، لكنه أيضًا يُضعف الموقف الإسرائيلي إقليميًا، ويؤكد للعالم أن إسرائيل لا تؤمن بالحلول السياسية، بل تواصل بناء جدران العزلة والصدام. إسرائيل تقولها بوضوح: لا مكان للدبلوماسية، ولا دولة- سيادة للفلسطينيين، ولا حلول سلمية.
المطلوب الآن ليس فقط الإدانة، بل ردّ حاسم يعيد الاعتبار للقانون الدولي. يجب على الدول التي يمثلها هذا الوفد الدبلوماسي أن تعلن موقفاً واضحاً، يبدأ باستدعاء السفراء الإسرائيليين وفرض حالة توتر دبلوماسي، ويمتد إلى إعادة تقييم علاقاتها السياسية والعسكرية مع إسرائيل. استمرار هذه الثقافة القائمة على الإفلات من العقاب يعني السماح لإسرائيل بتوسيع إرهابها تحت شعار "الأمن"، ليشمل ليس فقط الفلسطينيين، بل كل من يقترب من الحقيقة أو يحاول دعم الحقوق.
جرائم الاحتلال لم تعد تهدد الفلسطينيين فقط، بل تهدد مستقبل النظام الدولي. فحين تُنتهك المعاهدات والمواثيق، وتُستهدف الحصانات، ويُهاجم السفراء، فإن هذا يعني أن أسس النظام العالمي تنهار أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي. إذا لم يكن الاعتداء على دبلوماسيين أجانب في أرض محتلة سبباً كافياً لإعادة النظر في التعامل مع إسرائيل، فمتى يتحرك العالم؟ هل المطلوب أن تُزهق أرواح دبلوماسيين حتى يتحقق الحد الأدنى من الردع؟
إننا بحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، ليس من منطلق العداء، بل من منطلق احترام القانون والعدالة. لا بد من مقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية، ووقف التعاون معها إلى أن تلتزم بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. ما وصلت اليه دولة الاحتلال من تمادٍ وتعامل بفوقية مع الجميع أتى بسبب تمتعها بالإفلات المتكرر من العقاب الذي وفره أعضاء المنظومة الدولية!



جرائم الاحتلال لم تعد تهدد الفلسطينيين فقط، بل تهدد مستقبل النظام الدولي. فحين تُنتهك المعاهدات والمواثيق، وتُستهدف الحصانات، ويُهاجم السفراء، فإن هذا يعني أن أسس النظام العالمي تنهار أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...