نحو اقتصاد فلسطيني مقاوم وشامل.. عدالة جندرية في قلب التحول الاقتصادي

الكاتب: لما عواد
يتجه العالم نحو نماذج اقتصادية حديثة عكست توجهات العالم نحو التنمية المستدامة تستجيب لأزمات المناخ، العدالة الاجتماعية، والتكنولوجيا. نشأت نماذج اقتصادية، مثل الاقتصاد الأخضر، الرقمي، البيئي، الدائري، التحويلي، المقاوم، النسوي، والاجتماعي والتضامني.. كمحاولات لإعادة بناء أنظمة لتصبح أكثر عدالة واستدامة ومقاومة للصدمات.
تُروج هذه النماذج من قبل المؤسسات الدولية وتُدمج السياسات والمشاريع التنموية العالمية، بما في ذلك دولة فلسطين، التي تُواجه تحديات مركبة من الاحتلال، التبعية الاقتصادية، العجز المالي، والبطالة، خاصة بين النساء والشباب.
كيف نعيد إنتاج هذه النماذج بما يتلاءم مع السياق الفلسطيني، لنصنع منه اقتصاداً فلسطينياً مقاوماً شاملاً، لا يمكن التوجه لنا باستنساخ هذه النماذج الجاهزة، بل يجب تكييفها وفقًا لخصوصية الواقع السياسي والاجتماعي. فرغم القيود المفروضة، توفر هذه النماذج فرصة لتأسيس اقتصاد مقاوم إذا أُعيد إنتاجها برؤية وطنية وجندرية مرنة، ترتكز على العدالة والتمكين المجتمعي.
"الاقتصاد الحديث يقدم فرصًا للتحول إذا تم تبنيها برؤية محلية، ومرجعية وطنية تُوازن بين الاستقلال والتنمية وتراعي الخصوصية الفلسطينية".
لا يمكن الحديث عن اقتصاد مستدام دون إدماج العدالة الجندرية في صميمه وجوهر كل تحول اقتصادي، من التخطيط إلى التقييم لضمان العدالة والمساواة. وذلك يتطلب بناء سياسة وطنية للاقتصاد المقاوم الشامل، وهذا استهداف للنساء كمستفيدات، بل إشراكهن كصانعات قرار، ومنتِجات، ومؤثرات.
الاقتصاد المقاوم الحقيقي هو الذي يضع النساء، لا سيما في المناطق الهشة، كجزء من الحل لا الهامش. وتوجيه التمويل الدولي نحو المبادرات النسوية، اعتماد مؤشرات جندرية لقياس الأثر الاقتصادي، والعمل على تعزيز المبادرات النسوية في مجالات البيئة، التكنولوجيا، والرعاية.
"دمج الجندر لا يبدأ عند مرحلة التقييم، بل منذ لحظة التخطيط: من وضع السياسات، إلى توزيع التمويل، إلى تصميم المشاريع، إلى صياغة المؤشرات. العدالة الجندرية ليست قضية "نساء"، بل مدخل لفهم أعمق لكيفية اشتغال الاقتصاد، ومن يستفيد منه، ومن يُقصى".
تحديد وتبني عناصر من الاقتصادات الحديثة (الأخضر، الدائري، الرقمي، النسوي، التحويلي) الأكثر ملاءمة للسياق الفلسطيني والذي يتطلب مقاربة ذكية، تدريجية، ومرتبطة بالواقع، وتأخذ بعين الاعتبار، القيود السياسية والاحتلال، العجز المالي المزمن، ضعف الاستقلال في الموارد، والحاجة الملحة للنتائج الملموسة. وتأخذ بين طياتها تأثيرها على النساء والفئات المهمشة والهشة، لتخفيف الأثر ولتعزيز الصمود وتعزيز التنمية.
في ظل الظروف الراهنة، "كيف يمكن تبني ما هو أنسب لفلسطين من بين النماذج الاقتصادية الحديثة بطريقة عملية، فعّالة، وقابلة للتنفيذ في ظل عجز الموارد؟".
"التحرك من "النماذج الكبرى" إلى "تدخلات مجهرية" قابلة للتنفيذ في فلسطين".
الاقتصاد الأخضر، التحويلي: دعم النساء في المناطق الزراعية (الاغوار) من خلال مشاريع الطاقة الشمسية والزراعة المستدامة، وحدات إنتاج غذائي تُدار من قبل نساء، ومشاركة النساء في صنع القرار البيئي.
الاقتصاد الدائري، إطلاق تعاونيات نسائية (في المناطق الهشة والمهمشة - المخيمات) لإعادة التدوير وتحويل المهارات المنزلية (الخياطة، الصيانة) إلى مشاريع اقتصادية منتجة.
الاقتصاد الرقمي المقاوم، تقليص الفجوة الرقمية من خلال برامج تدريب رقمية للفتيات، منصات تسويق رقمية للمنتجات النسوية، وتعزيز الحماية الرقمية للنساء العاملات عن بُعد.
الاقتصاد النسوي، ترسيخ اقتصاد الرعاية عبر دعم حضانات مجتمعية، دمج إجازات الأبوة والأمومة في سياسات العمل، وتمويل خدمات رعاية في القرى والمخيمات.
الاقتصاد التحويلي، إعادة هيكلة الاقتصاد ليخدم المجتمع لا السوق فقط، بمشاركة النساء في تصميم الرؤية الاقتصادية، وتضمين احتياجات الفئات المهمشة في المبادرات.
ليس المطلوب اختيار نموذج اقتصادي جاهز، أو حزمة مشاريع صغيرة، بل بناء نموذج فلسطيني - رؤية وطنية شاملة - للاقتصاد مرن، عادل، ومقاوم يضع الإنسان في مركزه.
نموذج "الاقتصاد المقاوم الأخضر الشامل" كسياسة وطنية
عدالة الجندرية، استخدام العادل للموارد، التحول التدريجي الذكي.، استقلال القرار الاقتصادي.
فمن مزارع نسائية بالطاقة الشمسية في الأغوار، إلى تعاونيات تدوير في المخيمات، إلى منصات رقمية تسوّق المنتجات النسوية – لدينا تجارب فلسطينية واعدة تستحق التوسيع والدعم والاعتراف.
لنبني اقتصادًا مقاومًا بحق، علينا التوقف عن التعامل مع النساء كـ"مستفيدات" فقط، بل كصاحبات رؤية ومصلحة وقيادة. العدالة الجندرية لم تعد ترفًا، بل ضرورة لبناء اقتصاد فلسطيني حر، عادل، ومستدام. ففي النهاية، ليست القضية أي اقتصاد نختار، بل أي مستقبل نريد أن نبنيه.