حماس أمام خيارين لا ثالث لهما

الكاتب: نبهان خريشة
رفض حركة حماس للمقترح الأمريكي الأخير الذي قدّمه المبعوث الخاص ستيف ويتكوف بخصوص هدنة طويلة الأمد في غزة، لم يكن مجرد رد فعل سياسي عابر، بل نقطة تحول تُعيد ترتيب الأوراق في المنطقة، وتكشف عن بداية مرحلة أكثر حدة وصدامًا، لا سيما مع تبني إدارة ترمب لنهج أكثر صرامة تجاه قيادة الحركة في الخارج، خاصة في الدوحة وإسطنبول.
فبحسب ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن واشنطن تمارس ضغوطًا مباشرة على قطر مطالبة بطرد قادة حماس من أراضيها، أو على الأقل الحد من تحركاتهم السياسية والدعائية إذا ما استمرت الحركة في رفض اتفاق التبادل المقترح مع إسرائيل. وبالمثل، يُتوقع أن تتصاعد الضغوط على تركيا التي تستضيف قيادات بارزة من المكتب السياسي للحركة، في سياق تصعيد سياسي ودبلوماسي متكامل من قبل الولايات المتحدة، لا يُستبعد أن يصل إلى التلويح بوقف الدعم الإنساني الموجه لغزة.
في موازاة ذلك، تبرز دعوات إسرائيلية – مدعومة ضمنيًا من واشنطن – لتشكيل "ائتلاف ضغط عربي"، تقوده دول عربية توصف بـ"المعتدلة" مثل مصر، الأردن، السعودية والإمارات، بهدف دفع حماس إلى تقديم تنازلات سياسية. زعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس لم يُخفِ ذلك حين دعا صراحة في العام الماضي إلى "بناء تحالف إقليمي من أجل القضاء على النفوذ المتطرف في غزة"، في إشارة واضحة لحماس، وأضاف في تصريح نقلته وكالة الأناضول: "على واشنطن أن تقود جهودًا إقليمية لوقف التهديد القادم من الجنوب"، على حد تعبيره.
هذا التوجه الإقليمي يعكس مخاوف عميقة لدى الأنظمة العربية من أن يؤدي استمرار "الفوضى" في غزة إلى انفلات الأوضاع الأمنية، وامتداد عدوى عدم الاستقرار إلى حدودها. كما أن اتساع رقعة التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية، في ظل المجازر الإسرائيلية، يخلق إحراجًا سياسيًا لحكومات تتعامل بحذر مع ملف التطبيع، مما يدفعها لتفضيل نهاية سياسية سريعة للأزمة، ولو على حساب حماس.
لا شك أن التصعيد ضد حماس لا يقتصر على المسار الدبلوماسي فقط، بل يتقاطع مع عمليات عسكرية إسرائيلية متسارعة داخل قطاع غزة. فقد وسّعت تل أبيب توغلها البري نحو مناطق جديدة في قطاع غزة، ورفعت من حدة استهدافاتها للقيادات الميدانية، وكان أبرزها محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة، وذلك في عملية وُصفت بأنها "ذات طابع استخباراتي نوعي"، وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
لكن هذه الهجمات ليست من دون تكلفة. فبحسب تقرير رويترز، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين حتى نهاية مايو أكثر من 54,000 شخص، معظمهم من المدنيين، في ظل انهيار البنية التحتية الصحية والإنسانية. وهذا يعني أن هزيمة حماس – إذا ما تمت – قد تأتي بثمن باهظ إنسانيًا، يدفعه المدنيون قبل السياسيين، ما يضع العالم أمام معضلة أخلاقية وسياسية كبرى.
في ضوء كل ما سبق، بات واضحًا أن النظام الإقليمي والدولي لا يرى أمام حماس سوى خيارين لا ثالث لهما: إما التنازل السياسي – وهو ما يعني فعليًا القبول بمبادئ التسوية الغربية: نزع السلاح، الاعتراف بإسرائيل، والمشاركة في سلطة تحت سقف أوسلو – أو الزوال، سواء عبر اجتثاث عسكري إسرائيلي، أو عزل سياسي إقليمي ودولي. المفارقة أن حماس تجد نفسها اليوم في عزلة مضاعفة: من جهة، تآكل الدعم الإقليمي الفعلي، ومن جهة أخرى، فقدان الزخم الشعبي الذي كانت تراهن عليه طويلًا، بعد أن أصبحت في نظر بعض الفلسطينيين سببا في تدميرغزة بدلا من تحريرها.
الضغوط المتزايدة من واشنطن، والانخراط العربي المتدرج في سياسة الاحتواء، وتصاعد القصف الإسرائيلي، كلها مؤشرات على أن لحظة الحسم تقترب. وقد يكون رفض المقترح الأمريكي الأخير هو آخر أوراق المناورة لدى حماس، قبل أن تُواجه عزلة كاملة، وربما حسمًا عسكريًا لا يبقي لها مجالًا للبقاء السياسي أو الميداني.