الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:56 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:17 PM
المغرب 7:47 PM
العشاء 9:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

المقايضة بين ترامب ونتنياهو هي الصفقة الحقيقية

الكاتب: عبد المجيد سويلم

لا يمكن فهم، ولا تفهُّم كيف يقدّم الأميركيون اقتراحاتهم حول صفقة التبادل مرة تلو الأخرى، وعلى مدار كامل هذه الحرب ثم يتراجعون هم أنفسهم عنها، ودائماً لصالح بنيامين نتنياهو وحكومته في كل مرة.
يستسهل الكثيرون تفسير مناورات ستيف ويتكوف بالتوافق التام مع رئيسه دونالد ترامب بأنها انعكاس مباشر للعلاقة العضوية المعهودة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، وكانعكاس خاص بين ترامب وكل محيطه السياسي والانتخابي وبين اليمين العنصري المنفلت من كل عقال في دولة الاحتلال مجسّداً في الحكومة الإسرائيلية، وهذا كلّه صحيح بطبيعة الحال، لكنه لا يكفي في واقع الأمر لتفسير سلسلة التراجعات التي أقدمت عليها عن اقتراحاتها هي قبل غيرها.
لا تكفي ولا تفي بالغرض لأن للمسألة جوانب أخرى كثيرة أبعد وأعمق، وربما أخطر من مثل هذا التبسيط الذي لا يرى ما تقوم به أميركا بهذا الشأن سوى السياق الطبيعي والمعتاد في العلاقة المعروفة والمعرّفة تقليدياً في علاقة الدولتين.
أكثر من ذلك فإن التدقيق في الواقع العيني الملموس للإستراتيجية التي تبدو أنها باتت واضحة من زاوية المصالح العليا لـ»الترامبية» في إعادة بناء الاقتصاد الأميركي الذي يبدو أنه لم يعد قادراً على «الصمود» في خضّم المنافسة الاقتصادية والعسكرية مع الصين والمنافسة العسكرية ثم الاقتصادية مع روسيا، وما يترتب على ذلك من موجبات تأجيل الحروب وكلفتها المباشرة على الاقتصاد الأميركي، وما يمكن أن تمثّله من تهديد على تلك الإستراتيجية.
إن التدقيق الملموس في كل هذه الوقائع يعني بالضرورة أن من مصلحة أميركا إنهاء الحرب على قطاع غزّة للخروج من «دوّامة» أخطار التورّط الأميركي بها، أو بما هو أكبر منها وكنتيجة لها.
هناك أمر ما غامض وغريب، وهناك حلقات كبيرة ومهمّة ناقصة في سلسلة منطق المصالح الأميركية هنا.
اجتهادي هنا يتعلّق بـ»الصفقة» الأكبر حول الملف النووي الإيراني، بل وحول الحرب الروسية الأوكرانية نفسها.
المقايضة بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو إن كانت قد تمّت ــ وأغلب الظنّ أنها تمّت ــ هي «الالتزام» الأميركي بالشروط الإسرائيلية لـ»الصفقة» في القطاع مقابل «عدم» قيام دولة الاحتلال بمهاجمة إيران، ومحاولة تدمير مفاعلاتها النووية أو بعضها على الأقل.
نتنياهو فهم أن أميركا ذاهبة إلى اتفاق مع إيران، بتفصيل زائد هنا، وتفصيل ناقص هناك.
ونتنياهو فهم، أيضاً، أن على أوكرانيا أن تتفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ثلاث مسائل أصبحت بحكم المنتهية.
أوكرانيا لن تتمكن من تشكيل أي تهديد مستقبلي لروسيا، وهو ما يعني لا أسلحة للدمار الشامل، ولا قواعد عسكرية أجنبية، ولا أحلاف عسكرية، وإنما الحياد التام إذا أرادت أن تتعايش مع روسيا.
شبه جزيرة القرم انتهى أمرها، والمقاطعات الأربع، يمكن أن يعاد النظر في الأشكال القانونية لضمها إلى روسيا.
روسيا كانت تؤخّر الحسم العسكري حتى سقوط جماعة جو بايدن لأنها كانت تعرف أن ترامب سيحاول تصوير الهزيمة الأميركية و»الغربية» في أوكرانيا كأخطاء وقعت بها إدارة بايدن، وهو الذي جاء لحلها وتسويتها وفق منظور عظمة أميركا وتعملق مكانتها من جديد بعد إعادة بناء الاقتصاد الأميركي للعقد القادم على الأقل.
روسيا عملياً ربطت بين الحل في أوكرانيا والحل مع إيران، وترامب فهم هذا الربط قبل غيره.
لهذا «بادر» نتنياهو بالتهديد العالي، وأصبح يتحدث عن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية باعتبارها مسألة محسومة ومنتهية بهدف «مراعاة» الشروط الإسرائيلية في الاتفاق المزمع الوصول إليه، وبهدف رفع الوزن النوعي لدولة الاحتلال بعد أن تم عملياً «تركها» جانباً في المحادثات مع إيران، وفي الانسحاب الأميركي من البحر الأحمر دون أن يرتبط وقف إطلاق النار مع «جماعة أنصار الله» «الحوثيين» في اليمن بوقف هجماتهم على الدولة العبرية.
الثمن الذي طلبه نتنياهو هو «حرية» الحرب في القطاع، والموافقة الأميركية على شروطه لعقد أي صفقة تبادل.
«الحرية» التي طلبها نتنياهو هي حرية الاستمرار بالحرب طالما أنها مستمرة، وحرية العودة إليها إذا ما تمّ توقفها تحت ضغوط داخلية إسرائيلية أو دولية.
ومن خلال هذا «الثمن» سيحافظ على «الائتلاف الفاشي الحاكم»، أو هكذا يعتقد ومن خلاله، أيضاً، سيكرّس في واقع العلاقة مع أميركا و»الغرب»، ومع منطقة الإقليم كله أن «المسألة الفلسطينية» هي مسألة «داخلية» إسرائيلية لا بدّ من «فكّ» أو فكفكة كل ارتباطاتها الدولية والإقليمية إلى الحدود التي يقبل الواقع الدولي والإقليمي بهذه «الحقيقة» كما يراها «الائتلاف الفاشي الحاكم»، وكما لا يختلف معه جذرياً كل الطيف السياسي والحزبي في دولة الاحتلال.
أميركا ومنذ مرحلة باراك أوباما، وليس منذ الآن فقط، قبل مجيء ترامب في الفترتين الرئاسيتين كانت من حيث الجوهر تعتبر المسألة الفلسطينية مسألة إسرائيلية داخلية باستثناءات شكلية جرى التخلّي عنها تباعاً إلى أن تلاشت كلياً الآن.
الحقيقة المرّة الأخرى على هذا الصعيد هي أن أميركا بدلاً من أن يقنعها العرب والمسلمون بالتخلي عن نهج حشر حقوق الشعب الفلسطيني بين أنياب الصهيونية لتنهش بهذه الحقوق، تمكنت أميركا من تدجين وترويض الواقع العربي الرسمي عموماً، والإقليمي، وإلى حد ما الواقع الدولي نحو هذا الفهم والمفهوم.
لا يمكن استيعاب ما جرى من تخلٍّ عربي وإسلامي عن نصرة الشعب الفلسطيني، ووصول هذا التخلّي إلى ما هو أبعد وأخطر من الخذلان، حتى عزّ على هذين العالمين حركة واحدة يعتدّ بها لوقف أكبر عملية إبادة يتعرض لها شعب في كامل تاريخ الحروب والصراعات الحديثة والمعاصرة على مدار مئات السنين من الهمجية.
هذا «النجاح» الصهيوني ليس له أيّ علاقة، من قريب أو بعيد بالحرب التي بدأت بـ»طوفان الأقصى» لأنها أسبق على هذه الحرب بسنين طويلة، بل وبعقود متعاقبة.
عندما حوصرت بيروت، لم تكن هناك حركة «حماس»، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الملاحقة والمطاردة والمستهدفة، وهي نفس المنظمة المعترف بها بالكامل بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من قبل النظام العربي كلّه، ومن قبل أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية، وشعوبها تعدّ بالمليارات.
عندما تذهب عدة تريليونات إلى خزائن أميركا وتضخ الاستثمارات التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ كله في نفس الوقت والتوقيت الذي تستمر فيه حرب الإبادة الكارثية والتجويع والاقتلاع، ويحرم أطفالنا في القطاع من كسرة خبز فهذا يعني أن القضية الفلسطينية ليست سوى مسألة داخلية إسرائيلية بموافقة أميركية وإذعان النظام العربي والإسلامي ورضوخه للإرادة الأميركية صاغراً أو موافقاً ومقتنعاً.
وهذه المسألة تحتاج من كل الذين يراهنون على حلول سياسية ودبلوماسية برعاية أميركية، أن يراجعوا أنفسهم، ويحتاج من كل الذين يعتقدون أن المسألة كلها تكمن في زيادة أو نقص عناصر «العقلانية» أو «الواقعية» أو المغامرة أو سوء التقدير، أو أخطاء في الحسابات هم، أيضاً، أن يراجعوا هذه المفاهيم ويتراجعوا عنها لأنه يكفي والله تجربة 76 سنة من الإبادة الصهيونية، وأكثر من خمسين سنة من  الخذلان العربي والإسلامي، ومثلهما من الدعم «الغربي» والأميركي تحديداً.
علينا كما أظنّ أن ندرك أن دولة الاحتلال بدأت تتحوّل إلى عبء سياسي وأخلاقي واقتصادي على «الغرب» مقابل أن فلسطين الحرّة، والمستقلة هي عبء ثقيل على العالمين العربي والإسلامي في الواقع الرسمي، وإلى أن نصحو من غيبوبة الاعتماد على أميركا و»الغرب» والعرب والمسلمين سنظلّ ندفع الأثمان التي نستمر بدفعها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...