متطلبات تعزيز الصمود في محافظة سلفيت في وجه "الأصبع" الاستيطاني

الكاتب: د. عبد الفتاح ابو ماضي
تتنفس محافظة سلفيت هواءً ثقيلاً، محاصرةً من الشمال والجنوب والشرق بنتوء استيطاني غليظ، يُشبه في امتداده وتأثيره "أصبعاً" خارقاً للجسد الفلسطيني. هذا "الأصبع" ليس مجرد تجمعات سكنية، بل هو مشروع جيوسياسي مُمنهج يهدف إلى عزل محافظة سلفيت وتمزيق تواصلها الجغرافي، وتهديد وجودها ككيان متماسك. في مواجهة هذا الخطر الوجودي، يبرز سؤال مُلحّ: ما هي متطلبات تعزيز صمود سلفيت وصمود شعبها؟
*تشريح "الأصبع" الاستيطاني:*
تقع سلفيت في موقع استراتيجي حساس، تشكل معبراً طبيعياً بين شمال الضفة الغربية (نابلس وجنين) ووسطها (رام الله). هذه الأهمية جعلتها هدفاً مركزياً للمشروع الاستيطاني:
1. **التوسع الأفقي للمستوطنات الكبرى . هذا التوسع هو العمود الفقري للـ"أصبع".
2. **إحكام الخناق بالبؤر والطرق الالتفافية
3. **السيطرة على الموارد والمرتفعات.
4. *العزل عن المحافظات المجاورة:* يعمل "الأصبع" الاستيطاني على قطع أوصال التواصل الطبيعي بين سلفيت ومحافظتي رام الله من الجنوب ونابلس من الشمال الشرقي، محوّلاً المحافظة إلى جيب معزول.
تداعيات الجيوسياسة على الأرض:
* *تفتيت جغرافي:* .
* *خنق اقتصادي:* مصادرة الأراضي الزراعية (أكثر من 51% من مساحة المحافظة مصنفة ج)، تقييد حركة البضائع والأشخاص، وإعاقة أي تنمية اقتصادية حقيقية.
* *ضغط سكاني خانق:* حصر التجمعات السكانية الفلسطينية في مساحات ضيقة ومتقلصة.
* *تهديد ديمغرافي:* وجود عشرات الآلاف من المستوطنين (أكثر من 50 ألف في مستوطنة أريئيل وحدها وكريات نتافيم)
**متطلبات تعزيز الصمود: استراتيجية شاملة:
مواجهة هذا المشروع الاستيطاني تضع الجميع أمام ضرورية حتمية...تتطلب خطة متعددة الأبعاد تتجاوز ردود الفعل اليومية:
بعض هذه الخطوات الاستراتيجية:
1. *تكثيف الوجود الفلسطيني واستعادة السيطرة على الأرض:*
* *تعزيز البناء في المناطق المهددة (ج):* دعم وتشجيع البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة "ج" والمهددة بالمصادرة،
* **إعادة إعمار العزب المهجرة، او المتروكة (عزبة دار ابو بصل،دار كايد،ابوطافش...الخ)
* **حماية المزارعين والرعاة:تنظيم ودعم وجود المزارعين والرعاة في مناطق "المواجهة" مع المستوطنين، وتوفير الحماية لهم وتكثيف أنشطة التضامن من جهات ومؤسسات دولية.
2. **تعزيز التماسك الجغرافي والخدماتي داخلياً ومع المحافظات المجاورة:
* *ربط القرى بطرق بديلة آمنة:* تطوير شبكة طرق فلسطينية بديلة ومعبّدة تربط قرى سلفيت ببعضها، وتصلها بشكل آمن بمحافظتي رام الله (جنوباً) ونابلس (شمالاً شرقاً)، متجاوزةً الحواجز والمستوطنات.
* *ضم القرى الحدودية إدارياً:* العمل على ضم القرى الواقعة على أطراف المحافظة مع المحافظات المجاورة (شمال رام الله وجنوب شرق نابلس) إدارياً وخدماتياً إلى محافظة سلفيت، لتعزيز كتلة بشرية وجغرافية موحدة ومتماسكة قادرة على المواجهة.
* *تطوير البنية التحتية والخدمات:* الاستثمار بكثافة في البنية التحتية (مياه، صرف صحي، كهرباء، اتصالات) والخدمات الأساسية (تعليم، صحة) في جميع أنحاء المحافظة، وخاصة في المناطق النائية والمهددة، لتحسين جودة الحياة وجذب السكان للبقاء.
3. *بناء اقتصاد صمود محلي:*
* *دعم القطاع الزراعي:* استصلاح الأراضي، تطوير طرق الري الحديثة، إنشاء معاصر حديثة، ودعم تسويق منتجات سلفيت (خاصة الزيتون) محلياً ودولياً.
* *تشجيع الصناعات الصغيرة والحرفية:* إنشاء حاضنات أعمال ودعم المشاريع الصغيرة المتناسبة مع طبيعة المحافظة وتحدياتها.
* *الاستثمار في السياحة البيئية والتراثية:* تطوير مواقع طبيعية وتراثية (مثل مغر الشمس والقمر) كوجهات سياحية فلسطينية وعالمية.
4. *تعزيز الوحدة المجتمعية والوعي الوطني:*
* *حملات توعية:* تعزيز الوعي بمخاطر المشروع الاستيطاني وأهمية التمسك بالأرض والبناء فيها.
* *تعزيز التكافل الاجتماعي:* تفعيل دور المؤسسات الأهلية في دعم الأسر المقاومة والمتضررة من اعتداءات المستوطنين والاحتلال.
* *ربط النضال المحلي بالكفاح الوطني:* توحيد الخطاب والجهود مع المحافظات الأخرى التي تواجه تحديات استيطانية مماثلة.
5. *توثيق الانتهاكات والضغط الدولي:*
* *توثيق منهجي:* توثيق كل اعتداءات المستوطنين، عمليات الهدم، والمصادرات بالصورة والفيديو والمستندات القانونية.
* *حملات دعوية مكثفة:* استخدام الأدلة الموثقة في حملات ضغط دولية تستهدف الحكومات والمنظمات الدولية والمحاكم، لتطبيق القانون الدولي ومساءلة إسرائيل.
خاتمة:
إن "الأصبع" الاستيطاني الذي يخترق سلفيت ليس قدراً محتوماً. صمود المحافظة يتطلب تحولاً من رد الفعل إلى الفعل، ومن الدفاع إلى البناء الاستراتيجي. إن تعزيز الوجود الفلسطيني الكثيف والمتماسك جغرافياً وخدماتياً واقتصادياً، مع ضم القرى الحدودية المعزولة وبناء شبكات تواصل آمنة مع المحافظات المجاورة، هو الحل الأمثل في مواجهة آلة الاستيطان. هذا الصمود ليس فقط دفاعاً عن سلفيت، بل هو دفاع عن مستقبل فلسطين ووحدتها الجغرافية والديمغرافية. تحويل سلفيت من محافظة محاصرة ومعزولة إلى نموذج للصمود والتماسك هو التحدي الأكبر، وهو ممكن بوجود إرادة وطنية صلبة، وتخطيط استراتيجي ذكي، ودعم شعبي ودولي فاعل. المعركة على الأرض هي معركة الوجود، وعلى صمود سلفيت يتوقف جزء كبير من مصير المشروع الوطني الفلسطيني.
لتنفيذ هذا تحتاج محافظة سلفيت إلى قيادة وادارة وإرادة...تملك رؤيا واستراتيجية...خاصة في مراكز المسؤولية وصنع القرار