"سقوط نتنياهو ، هل يُبدل النهج الإسرائيلي أم يُعيد إنتاجه بوجه آخر ؟"

الكاتب: مروان إميل طوباسي
في ظل أستمرار جريمة محرقة القرن ٢١ والإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تُنفذها إسرائيل في قطاع غزة ومخيمات الضفة والقدس ، اضافة الى خرق الإتفاق لوقف اطلاق النار مع لبنان برعاية أمريكية وتنفيذ العشرات من الغارات الجوي. الأسرائيلية هذه الليلة ، ووسط عجز المجتمع الدولي الرسمي عن وقفها نتيجة الفيتو الأمريكي المتوحش في مجلس الأمن ، تتكرس الحماية السياسية والدبلوماسية لدولة الأحتلال ، بما يسمح لها بأستدامة جرائمها دون رادع حتى عربي في وقت يزداد اتهامها بارتكاب جرائم حرب . هذا الفشل ليس عرضياً ، بل يعكس شراكة عضوية بين المشروع الأستعماري الإسرائيلي والنظام الإمبريالي الغربي ، وعلى رأسه الولايات المتحدة .
وفي هذا السياق ، مع تصاعد الخلاف داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل على خلفية مشروع قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية (الحريديم) ، تلوح في الأفق إمكانية سقوط حكومة نتنياهو ، أو على الأقل دخولها في مرحلة شلل سياسي يسبق تفككها وإمكانية اجراء الانتخابات البرلمانية للكنيست كما تهدد عدد من الاحزاب بحل الكنيست ومنها حزب شاس . هذا التهديد لا يأتي من خصوم نتنياهو السياسيين فحسب ، بل من أحد أعمدة ائتلافه ، الأحزاب الحريدية التي ترى في مشروع القانون مساساً جوهريا بأسس وجودها وهويتها المجتمعية ، في وقت يهدد به اليمين الفاشي بمقولات الخيانية الوطنية في وقت الحرب لمن يَدعون الى حَل الكنيست واسقاط الحكومة .
من الناحية الفلسطينية ، قد يبدو للوهلة الأولى أن سقوط نتنياهو ، أحد أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية تطرفا وعدوانية وفاشية ، يشكل مدخلاً لتغيير ما في السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة والضفة الغربية وشعبنا بشكل عام . لكن قراءة أعمق تشير إلى أن هذا السقوط ، إن تحقق لن يؤدي إلى تحولات استراتيجية جوهرية ، بل ربما يُعيد إنتاج نفس النهج تحت مظلة سياسية أكثر "جمالية " وانضباطاً أمام الإدارة الأمريكية .
فمنذ بداية جريمة عدوان الإبادة والمحرقة الأخيرة المستمرة ، تبنت حكومة نتنياهو بضغط منه ومن التيارات الفاشية داخلها سياسة الإبادة والتجويع والتهجير القسري في قطاع غزة ، تحت شعار "إنهاء حكم حماس". هذا الشعار ، ورغم وحشيته التي استهدفت وجودية الكل الفلسطيني ، لم يكن خاصاً بنتنياهو وحده ، بل هو توجه راسخ لدى أغلب التيارات داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية ، بمن فيها من يُسمون أنفسهم "معتدلين أو ليبراليين ". وحتى في اوساط احزاب المعارضة الصهيونية اليوم ، لا وجود لرؤية او برنامج يعترف بضرورة إنهاء الأحتلال بالحد الأدنى كجذر للحالة القائمة اليوم .
سقوط نتنياهو إذا لا يعني تراجعا عن الهدف الإسرائيلي الإستراتيجي لتصفية القضية الوطنية لشعبنا ، وبالهدف المعلن بإقصاء حماس من غزة وتغير الواقع هنالك وفصله عن الضفة وتنفيذ رؤية التهجير ، بل قد يعني تبديل الأدوات . ففي ظل حكومة جديدة ، خاصة إن ضمت غانتس أو لابيد ، قد تُستبدل سياسة الأرض المحروقة ، بمقاربة تقوم على التنسيق الإقليمي مع مصر والأردن ، وطرح حلول "أمنية - إدارية" تُفرض على السلطة الوطنية الفلسطينية ، ضمن ما يُعرف بمشروع "اليوم التالي" الذي ترعاه واشنطن وبعض عواصم الأقليم بما يحقق رؤية ترامب .
في الضفة الغربية ، قد تَستخدم الحكومة الإسرائيلية الجديدة إن جاءت ، الأنفتاح على مشروع التطبيع الإقليمي والمسار الإبراهيمي ، وخاصة مع السعودية ، كورقة ضغط على القيادة الفلسطينية لقبول تسويات مؤقتة لا تلامس جوهر الحقوق الوطنية الفلسطينية الغير قابلة للتصرف وبالمقدمة منها إنهاء الأحتلال وحق تقرير المصير . وهذا ما يجعل المرحلة المقبلة ، إن رُفع الغطاء عن حكومة نتنياهو ، أكثر خداعاً وخطورة ، لأنها قد تقدم مشروع التصفية في عباءة "العقلانية" والدبلوماسية والأنفتاح على العالم من جديد .
لا يخفى هنا أن الانفتاح الأمريكي على خيار ما بعد نتنياهو يرتكز على إعادة تأهيل صورة إسرائيل وتثبيت دورها بالأقليم ، بعد أن شوهها طغيان اليمين الديني الفاشي امام الرأي العام الدولي . فواشنطن تسعى إلى إنتاج "شريك" إسرائيلي مقبول إقليمياً وبالتالي دولياً ، يستطيع أستيعاب الغضب الدولي ، دون أن يفرط في جوهر المشروع الإستعماري الإسرائيلي وحاضنته مشروع الشرق الأوسط الجديد .
وبهذا المعنى ، فإن التبديل في رأس الحكومة لن يغير جوهر العلاقة العضوية بين المشروع الصهيوني والأستعمار الغربي وتحديداً الأمريكي منه ، بل سيجعل التصفية أكثر قدرة على التغلغل عبر أدوات ناعمة ، ومشاريع "سلام اقتصادي" أو "حكم ذاتي مؤقت" يتكرس من خلاله الأحتلال و لا يُنهيه.
إن أي تغيير في الحكومة الإسرائيلية يجب أن يُقرأ فلسطينيا بوصفه فرصة نضالية محفوفة بالمخاطر . فإن لم تتحرك القيادة الفلسطينية والقوى الحية الوطنية السياسية والمجتمعية الأهلية لبلورة مشروع وطني تحرري موحد ، قائم على رؤية المتغيرات الجارية حول العالم وعلى المقاومة السياسية ووجود مؤسسات تمثيلية شرعية وديمقراطية لتشكل سداً منيعا امام محاولات مصادرة القرار الوطني المستقل وتسحب الذرائع من الأطراف التي تدعوا للإصلاح باجندات غير وطنية تهدف الى التطويع السياسي في جوهرها ، فإن الفراغ السياسي الذي قد يحدث في إسرائيل سيملؤه المشروع الأمريكي الإسرائيلي على حساب غزة والضفة واللاجئين .
ما نحتاجه اليوم هو إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية الواسعة بين كافة فئات شعبنا السياسية والأجتماعية في اطار منظمة التحرير واستنهاضها الفعلي كقائد لمرحلة التحرر الوطني ، وتطوير أدوات الاشتباك السياسي والدبلوماسي والقانوني والميداني الشعبي مع الأحتلال والأستيطان ، على قاعدة الشراكة لا التبعية ، والأنتماء الوطني لا الوظيفي ، والتوسع في آليات وأشكال التحالف والتضامن الدولي مع القوى والحراكات المتضامنة مع شعبنا وهي كثيرة ومتصاعدة اليوم حول العالم بل وغير مسبوقة بما في ذلك حراكات سفن الحرية ، وأرهاصات معارضة عدوان الإبادة والتهجير والتجويع والحرب والأحتلال في إسرائيل نفسها ، التي تمثلت بمظاهرة حيفا الأخيرة العربية اليهودية المشتركة التي يتوجب توسعتها .
فلا يكفي أن نُسقط نتنياهو أو يسقط هو ، إن كنا سنبقى رهائن لمعادلات صَنعها بنفسه ويواصل غيره تطبيقها