الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:54 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:18 PM
المغرب 7:50 PM
العشاء 9:22 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الكيانية الفلسطينية بين أمين الحسيني وياسر عرفات.. دفاعاً عن هويةٍ حاولوا نفيها

الكاتب: د. عبدالرحيم جاموس  

في ظل تصاعد حملات التشويه والتزوير التاريخي، تعود إلى الواجهة محاولات بائسة لنفي الكيانية الفلسطينية، عبر تسفيه رموزها أو تحميل شعبها وقياداته تبعات مواقف سياسية مرّ عليها عقود من الزمن، كما في الفيديو الأخير الذي يهاجم الفلسطينيين على خلفية موقفهم من غزو الكويت، ويحمل رمزي القضية– الحاج أمين الحسيني وياسر عرفات– وزرًا لم يصنعاه.
ليست هذه المحاولات جديدة، بل هي امتداد لنهج استعماري– صهيوني، وجد في التجزئة العربية البيئة الخصبة لنفي الكيانية الفلسطينية وتحويلها إلى هامش على خريطة كيانات سايكس– بيكو.

- الكيانية في مهبّ التواطؤ والتقسيم...!

لم تكن فلسطين يومًا مجرد "جغرافيا" تركها الاستعمار بلا كيان، بل كانت عمقًا حضاريًا وسياسيًا استُهدف بالتواطؤ والصمت.
ففيما قُطعت بلاد الشام والعراق إلى دول وُصفت زورًا بالـ"وطنية"، بقيت فلسطين مستثناة من أي تصور سيادي، ليُزرع على أرضها المشروع الصهيوني برعاية بريطانية وغض طرف عربي رسمي.
لقد قبلت نخب دمشق وبيروت وبغداد وعمان كيانات مرسومة، وتجاهلت مصير فلسطين، بل وُظفت في بعض الأحيان لتهميش قضيتها، وكأنها عبء يجب التخلص منه.

- أمين الحسيني: التأسيس في مواجهة النفي

في هذا الفراغ السيادي، برز الحاج أمين الحسيني، ليس بوصفه مفتيًا فقط، بل قائدًا سياسيًا شرع في بلورة الكيانية الفلسطينية مبكرًا.
قاد الثورة الكبرى عام 1936، وواجه المشروع الصهيوني والانتداب البريطاني سياسيًا وشعبيًا ودوليًا، ورفض أي محاولة لتحويل فلسطين إلى "مسألة لجوء" أو ملف إنساني.
الحسيني كان يرى في فلسطين وطنًا يُنتزع لا قضية تُدار.
وقد شكّل مشروعه الوطني نقيضًا مباشرًا لمشروع التقسيم، في وقتٍ كانت فيه عواصم الشام تستكين للخرائط المفروضة عليها.

- أنطون سعادة: مشروع وحدوي وفلسطين في القلب منه

في موازاة الحسيني، وقف المفكر والمناضل أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، في وجه سايكس– بيكو، معلنًا أن فلسطين جزء لا يتجزأ من سوريا الكبرى، رافضًا التجزئة على أسس طائفية أو استعمارية.
قاتل سعادة لأجل مشروع وحدوي مقاوم، واستُهدف مبكرًا بالإعدام والتهميش، لا لجرم ارتكبه، بل لأنه كشف حقيقة ما سُمّي بـ"الوطنيات القُطرية"، وفضح تواطؤها مع سايكس– بيكو.
كان سعادة يعتبر أن التخلي عن فلسطين هو الثمن الذي دُفع لضمان استقلال "الدويلات"، فبقيت فلسطين وحدها، مواجهةً استعمارًا مركبًا دون غطاء.

- ياسر عرفات: إعادة بعث الكيانية من قلب الشتات

بعد نكبة 1948، جُرّد الفلسطيني من وطنه ومن كينونته، وتحول إلى "لاجئ" في قاموس الدول الشقيقة قبل غيرها. حتى جاء ياسر عرفات، ليعيد صياغة الهوية الوطنية الفلسطينية، لا عبر الخطابة أو الخطط، بل عبر الفعل الثوري والتنظيم الشعبي. أسس "فتح"، وأطلق الكفاح المسلح، ثم أسّس مع رفاقه منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح كيانًا سياسيًا معترفًا به، يمثل الشعب الفلسطيني في كل مكان.
عرفات لم يقبل أن يُختزل الفلسطيني في "ملف إنساني"، بل صاغ مشروعًا وطنيًا مستقلاً، رغم ضغوط المحاور، وتوظيف الأنظمة، ومساومات القوى الكبرى.

- لماذا يُعاد الآن استهداف الكيانية الفلسطينية؟

الهجمة الجديدة على الكيانية الفلسطينية، التي تتخفى خلف الفيديوهات والبرامج التافهة، ليست منفصلة عن مشروع إقليمي يسعى لتذويب القضية في مشاريع "التطبيع" و"السلام الاقتصادي" و"الاندماج الإقليمي".
إنها ليست "رأيًا شخصيًا" بل حملة منهجية تشكك، تخوّن، وتعيد إنتاج رواية المحتل، بل وتتفوق عليها أحيانًا في التنكر للضحايا وتمجيد الجلاد.
يتم اختزال شعب كامل في لحظة سياسية مثيرة للجدل، ويُتّهم مفتي فلسطين بالخيانة، ورمزها الوطني الأول بالانحياز، في وقت تتجاهل فيه هذه الأصوات الخانعة أن كل ما بناه الحسيني وعرفات كان دفاعًا عن هويةٍ حاولت سايكس– بيكو نفيها، واليوم تحالف التطبيع يسعى لتصفيتها.

الكيانية الفلسطينية ليست طارئة، ولا مستوردة، ولا ملفًا تفاوضيًا. إنها مقاومة تاريخية ضد النفي والذوبان، ناضل لأجلها الحسيني في ثلاثينيات القرن الماضي، ودفع سعادة حياته ثمنًا لتأكيدها، وأعاد عرفات رسم معالمها في زمن الشتات.
إنها ليست نقيضًا للوحدة العربية، بل إن التجزئة التي قُبلت عربيًا هي التي ضيّعت فلسطين، لا الفلسطيني الذي تمسّك باسمه وحقه وحلمه، رغم كل نكباته وخيانات المحيط.
فمن يُنكر الكيانية الفلسطينية اليوم، يُنكر نفسه وتاريخه ومصداقية مستقبله.

 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...