من باريس الى نيويورك .. مؤتمرات تضليل ام انتصار للحق الفلسطيني ؟

الكاتب: أحمد صيام
ساعات قليلة تفصلنا عن انطلاق اعمال مؤتمر باريس للتمهيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية ، مقابل اعتراف عربي واسع بإسرائيل !! المؤتمر حسب المعلومات التي رشحت ستشارك به مئات الشخصيات الفلسطينية والعربية والاسرائيلية والعالمية ، ويأتي في إطار تمهيدي لمؤتمر نيويورك في 17 الجاري ، الذي ستترأسه فرنسا والمملكة العربية السعودية ، في محاولة لكسر الجمود السياسي الذي يخيم على القضية الفلسطينية ..
المؤتمر بحد ذاته خطوة جيدة ، ولكن يشوبه كثير من الحذر ، وتختبىء في ثناياه كثير من التساؤلات :
اولا : المؤتمر لا يتعرض للقضايا الخلافية مثل الحدود واللاجئين والقدس والاستيطان ، فما هو شكل الدولة الفلسطينية المنوي الاعتراف بها ، هل هي متواصلة جغرافيا ، أم كانتونات متقطعة الاوصال وتفصل بين اجزائها مستوطنات ؟
ثانيا : المؤتمر سيتعرض في نقاشاته الى قضية العدوان على قطاع غزة المستمر منذ نحو سنة ونصف ، ومرحلة ما بعد العدوان ، دون الاشارة الى الالية التي سيجري من خلالها ادارة قطاع غزة ، خاصة وان دولة الاحتلال ترفض بشكل قطعي استمرار حكم حركة حماس ، وترفض ايضا عودة السلطة الوطنية الفلسطينية للقطاع ، فيما لا يتطرق الى ادانة واضحة وصريحة تستوجب قرارات حاسمة لوقف العدوان والابادة الجماعية التي يتعرض لها ابناء الشعب العربي الفلسطيني والتي اخذت تمتد الى انحاء في الضفة الغربية ؟
ثالثا : المؤتمر في مضمونه يتضمن ادانة صريحة للمقاومة الفلسطينية ، وتحميلها مسؤولية ما آلت اليه الامور في قطاع غزة من دمار شامل طال جميع مناحي الحياة ، وغض البصرعن الجرائم الاسرائيلية التي صنفت كجرائم حرب ؟ في الوقت الذي اقرت الشرعية الدولية حق الشعوب التي تخضع لاحتلال بالمقاومة بما اوتيت من قوة ، ولعل ابسط مثال المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، ودعم اوكرانيا في حربها ضد روسيا التي احتلت جزءا من الاراضي الاوكرانية ؟
رابعا : المؤتمر لن يتطرق الى ما تقوم به دولة الاحتلال من تجنيد وكلاء لها بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ووليدتها السلطة الفلسطينية ، وتقوم بمدهم بالعدة والعتاد ، كمجموعة ما تسمى " ياسر ابو شباب " وبمعاونة من العجم والعرب المتحالفين مع دولة الاحتلال ، في محاولة لخلق حالة من الفوضى في القطاع تدفع بالاهالي الى طلب العون من اي كان ، وتضرب الحاضنة الشعبية والنسيج الاجتماعي الفلسطيني ، من خلال تسهيل عمليات الاستيلاء على قوافل المساعدات وتعميق حرب التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال على الغزيين ، وفي نفس الوقت تستغل هؤلاء الوكلاء للوصول الى المقاومة وملاحقة عناصرها ؟
خامسا : لم المؤتمرات التمهيدية ، وهناك قرارات أميية تدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية ، وحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، وحق اللاجئين بالعودة والتعويض ؟
سادسا : المؤتمر حسب منظميه سيؤسس لعملية مفاوضات فلسطينية اسرائيلية جديدة ، فلم المفاوضات وقد جرى عقد اتفاقيات سابقة بين الجانبين برعاية دولية وعربية اهمها " اوسلو " والذي مهد لاقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران بعد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ، والتي قد انتهت بانتهاء العام 1999 ؟
سابعا : اوروبا تتغنى بالعدالة الدولية وترفع شعار الحريات وتقوم بمبادرات تقودها حاليا فرنسا مشكورة ، تتدعي انها لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية ، فلم لا تستخدم نفوذها وتضغط باتجاة الزام دولة الاحتلال بالشرعية الدولية والتهديد بوقف الاتصالات وربما العلاقات مع دولة الاحتلال حتى تنصاع للمجتمع الدولي الذي يطالب بوقف العدوان واحقاق الحقوق الوطنية المشروعة التي اقرتها الشرعية الدولية للشعب العربي الفلسطيني ؟
في تمحص وتمعن في مؤتمر باريس ، ووسط هذه التساؤلات المشروعة ، نجد كثير من اللغط والتضليل وامتصاص للراي العام الاوروبي المتعاطف مع الفلسطينيين والاخذ بالتصاعد ، والادهى من ذلك انه يأتي في خدمة المخططات الاسرائيلية ومنح مزيد من الوقت لدولة الاحتلال في تنفيذها ، خاصة وانه حتى اللحظة لم تنجح دولة الاحتلال في تحقيق اي من اهدافها من العدوان على الاراضي الفلسطينية المحتلة ، وحتى مبادراتها في تنشيط وكلائهها في المنطقة لايجاد بديل غير وطني ، فاشلة ومصيرها كسابقاتها مزابل التاريخ.
اوروبا الرسمية ، ومن امامها امريكا العنصرية ، ومن خلفهم العرب المتصهينين يحاولون عبر التضليل والاختباء خلف الحقوق الفلسطينية تحقيق ما فشلت به دولة الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، خاصة فيما يتعلق بضرورة تسليم السلاح الفلسطيني ومغادرة قيادة المقاومة للارض الفلسطينية واستعادة الاسرى الاسرائيليين لدى المقاومة دون مقابل ، ومد طوق النجاة لحكومة نتيناهو اليمينية المتطرفة ، للتخفيف من محاصرتها في الاروقة القضائية الدولية ، ومنحها غطاء سياسي تحت عباءة دولية عربية اسلامية تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة .
واخيرا الساحة الفلسطينية باتت ملعبا واسعا ، الجميع يلعب فيه ، وسط غياب رؤية واستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة ، وبرنامج وطني من قبل منظمة التحرير الفلسطينية المغيبة ، والتي من المفترض انها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، والوحيدة المخولة لادراة الاراضي الفلسطينية المحتلة وعلى رأسها قطاع غزة .