نتنياهو ولعبة البيضة والحجر

رأي مسار
هي جملةٌ اصطلاحية تستخدم في وصف من يروّض الصلابة مع الهشاشة، دون أن يلامس الحجر الصلب البيضة الهشة.
بفعل إتقانه لهذه اللعبة حصل نتنياهو على لقب ملك إسرائيل، وكذلك سجّل الرقم القياسي في رئاسة الحكومة، ووفق أجندته الشخصية السلطوية جرّ إسرائيل وراءه في حربٍ يرى كثيرون من أقطابها السياسيين والعسكريين أنها حربه الشخصية، فهي جزء من أجندة بقاءه في الحكم إلى اليوم الأخير من ولايته، دون أن يفارقه حلم التجديد في الانتخابات القادمة.
في الأمس لعب لعبة البيضة والحجر مع الحريديم وحزب الليكود وأحزاب المعارضة، وبدا للمراقبين بأن سقوطه بفعل حلّ الكنيست أصبح مضموناً.
لقد نجا من خلال لعبة البيضة والحجر من مقصلة الانتخابات المبكرة، وكسب ستة أشهر ثمينة يواصل فيها حربه على غزة وسيطرته المطلقة على القرار السياسي الإسرائيلي، والتحضير للانتخابات التي صار مؤكداً بأنها ستجري في موعدها وليس قبل ذلك.
السؤال.. ما هو سر قوة نتنياهو وبقاءه لأطول فترة في رئاسة الحكومة منذ تأسيس الدولة؟
لا شك في أن الرجل يتميز بمواهب غير متوفرةٍ لا عند أتباعه من اليمين، ولا عند معارضيه فهو يستمد قوته، من ضعف رجالات المعارضة.
يُقال عنه إنه علماني يستند إلى الحريديم وهذا وفّر له تميزاً إيجابياً محدوداً عن سموتريتش وبن غفير، وقيل عنه إنه أهم خطيب في إسرائيل باللغة العبرية والانجليزية، وقيل عنه كذلك إنه اللاعب الذي يسجل الأهداف حتى في مرمى الإدارات الأمريكية، كل ذلك وأكثر منه يقال عنه، غير أن للحقيقة وجهاً آخر، وقد يكون السبب الأقوى في إطاحته إذا ما خاض انتخابات عامة، مبكرةً أو في موعدها، وهو كم خسرت إسرائيل مالاً ورجالاً وصورةً وعلاقات في عهده، وجرّاء مقامرته بالدولة لمصلحته الشخصية.
إن أهم حاسوب لا يقوى على تحديد الرقم الدقيق للخسارات في عهده، وبالإمكان القول إن ما خسرته إسرائيل في عهوده فاق كل خساراتها في عهود غيره بما في ذلك الحروب جميعاً.
لعبة البيضة والحجر التي يتقنها نتنياهو ذات مفعول سحري في لعبة السلطة وعناصرها المحدودة، أمّا فيما هو أبعد من ذلك فالدولة هي الخاسر الأكبر من لعبته واستثماره الشخصي لقدراتها وأرصدتها.
نتنياهو يقاتل بشراسة كي لا يُفتح ملف التحقيق الرسمي فيما حدث يوم السابع من أكتوبر، ويقاتل كذلك لمنع الذهاب إلى انتخابات مبكرة لخوفه من نتيجتها، ويقاتل للإفلات من القضاء الذي يمثل أمامه وكثيرون في إسرائيل باتوا يعرفون أنّ مركز معاركه وقتاله هو شخصه وبقاؤه في السلطة ولو على الجثث والأنقاض.
إن لعبة البيضة والحجر تنفع مع عددٍ محدود من رجال السياسة والحكم إلا أنها لا تنفع فيما هو أكبر وأكثر تعقيداً من ذلك.