لماذا ضُربت إيران وما هي خياراتها

الكاتب: د. محمد عودة
من اجل فهم الخيارات امام إيران لا بد من تحليل دقيق للمخططات الاستعمارية المرتبطة بالتنويريين لإنشاء نظام عالمي جديد، يعتمد على الفتن والحروب، تشكل إسرائيل والحركة الصهيونية اهم ادوات تجسيد ذلك النظام، لقد تناول وليام جاي كار المخطط في كتابه الشهير أحجار على رقعة الشطرنج، بعد عقدين ونيّف على نشر الكتاب قام الكونجرس الأمريكي في جلسة سرية عام 1983 باعتماد المخطط واعتمد 2018 عاما لتنفيذه.
يقومُ مخطط برنارد لويس على تفكيكِ البلادِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، ودفعهمْ ليقاتلَ بعضُهم بعضًا لإضعافِهم، وإقامةِ دولةِ إسرائيلَ الكُبْرَى، وقدْ سلَّم مشروعَهُ إلى بريجنسكي مستشارِ الأمنِ القوميِّ في عهدِ جيمي كارتر، ولعل ما حدث من احتلال لأفغانستان والعراق، وما يحدث في المنطقة من حروبٍ وفتنٍ وثوراتٍ وإرهابٍ يدلل على وضع المشروع موضع التنفيذ ومبررات المشروع أن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، إذا تركوا لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجاتٍ إرهابية تدمر الحضارات، وتقوّض المجتمعات.
فالحل السليم للتعامل معهم، هو إعادة احتلالهم، وتدمير ثقافتهم وتحويلهم إلى دويلات طائفية، فئوية، قبلية وعرقية، حيث يسعى إلى انشاء دويلات سنية داخلية تكاد تكون منافذها على البحر معدومة، مصر الإسلامية عاصمتها القاهرة، دولتان سنيتان في سوريا واحدة في حلب والأخرى حول دمشق، دولة سنية في شمال لبنان ودولة سنية في شمال السودان بعد اقتطاع دارفور منها، أمّا الدويلات الشيعية، واحدة في جنوب العراق، دولة علوية شيعية على الساحل السوري واخرى في البقاع عاصمتها بعلبك.
كما تقضي الخطة بإنشاء دول مسيحية: دولة جنوب السودان التي أصبحت حقيقة، دولة مسيحية على الجزء الأكبر من مصر إضافة الى كانتونات مسيحية في لبنان احدها يخضع للسلطة الفلسطينية، اما جنوب الليطاني مع جزء من جنوب البقاع إضافة الى الجولان وصولا الى السويداء فهي حصة إسرائيل، يسعى المشروع أيضا الى إقامة دولة للأكراد على أراضٍ مقتطعة من العراق وسوريا وتركيا وايران، كما يرمي المشروع لإقامة دولة في النوبة وعاصمتها اسوان، إضافة الى دولةِ البربرِ التي يحلمُونَ بامتدادِهَا من جنوبِ المغربِ حتَّى البحرِ الأحمرِ، دولة لكل من الامازيغ ولبوليساريو، اما الفلسطينيين فستكون لهم دويلتان واحدة في الأردن بعد انهاء الدولة الأردنية وأخرى في شمال سيناء إضافة الى سيطرتهم على احد الكانتونات اللبنانية مقابل التخلي عن فلسطين التاريخية.
مفهوم ترامب للمخطط يختلف عن الإدارات السابقة، حيث الإدارات السابقة اعتمدت نظام عالمي أسمته العولمة يعمل مع بعض الجهات كشركاء، اما ترامب فهو يسعى الى امركة العولمة بمعنى هيمنة أمريكية على العالم اقتصاديا وسياسيا، وعسكريا، طبعا في الجانب العسكري أمريكا من خلال ادواتها استطاعت تفكيك العراق، سوريا، أفغانستان، ليبيا والحبل على الجرار، اما تركيا فهي عضو في الناتو وبالتالي لم يحن دورها، مصر والأردن مكبلتان باتفاقيات مع الكيان، بمعنى ان تفكيك هذه الدول يحتاج الى بعض الوقت.
اما فيما يخص الاقتصاد فأمريكا بحاجة الى معجزة لكيلا ينهار اقتصادها، كخطوة أولى تحتاج الى قرابة مائة ترليون دولار وهذه يبرر الخطوات غير المدروسة في فرض الضرائب على دول العالم ومحاولة تسويق فكرة ضم دول وأجزاء من دول أخرى طمعا في تحقيق الامركة المرجوة، امامها عقبات ليست بالسهلة فالمنافسين يسيطرون على ما يقارب نصف اقتصاد العالم خاصة مجموعة البريكس، اما سياسيا فتصريحات ترامب برغبته في ضم غرينلاند وكندا وجزء من المكسيك إضافة الى قطاع غزة جعلته وامريكا معه في اقل حالاتهم سيطرة سياسيا.
هناك عامل اخر وهو الحراك الدولي غير المسبوق ضد إسرائيل وامريكا كشريك في العدوان على غزة والابادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل بمشاركة ودعم غير مشروط من قبل أمريكا سواء في مجال التسليح او تشكيل حماية للكيان في المؤسسات الدولية، كل هذه العوامل تبرر الخطوات الهوجاء التي تقوم بها إسرائيل ،فتحييد لبنان، تقسيم واضعاف سوريا، تحييد مليشيات العراق كلها غير كافية لتسجل انتصارا على طريق تجسيد الشرق الأوسط الجديد وعلية بدأ نتنياهو مغامرته مع ايران في اليوم الواحد والستون بعد انذار ترامب الذي منحهم شهرين وذلك لتحقيق هدفين: الأول الاحتفاظ قدر الإمكان بالسلطة عبر توحيد مكونات المجتمع الذي كان على وشك التفكك من جهة والثاني انجاز المشروع الاستراتيجي من جهة اخرى.
من هنا تأتي الإجابة على العنوان، ما هي خيارات إيران؟
امام إيران خيارين لا ثالث لهما: الخيار الأول امتصاص الضربة ووضع خطط استراتيجية بعيدا عن العواطف وردات الفعل (ان لم تكن قد أصيبت في مقتل نتاج غارات اليوم)، تقضي بتلقين إسرائيل الدرس الذي تستحق على أساس تصريحات القيادات الإيرانية منذ ثورة الخميني حتى تاريخه ولكي يكون ذلك ممكنا وفاعلا عليهم العمل على اجتثاث الكثير من عملاء الموساد من إيرانيين وأجانب، وكذلك إبرام اتفاقيات مع دول الجوار خاصة العراق والخليج وعلى رأسه المملكة العربية السعودية سعيا وراء منع أي تسهيلات تستخدمها القواعد الامريكية او يستخدمها الكيان الصهيوني في ضرب إيران، مضاف الى كل ما سبق تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا وربما هي بحاجة الى مصر التي ينتظرها الدور.
اما الخيار الثاني فهو كارثي ويقتضي الإستسلام للمشروع الغربي وتنازل الجمهورية الإسلامية الايرانية عن حقوقها وكرامتها عبر التخلي عن طموحها في إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية وحجز موقع محوري في الإقليم يضمن لها شراكة مع القوى الأخرى وتحولها الى دولة تابعة، بمعنى آخر استسلام كامل وإقرار بهيمنة أمريكية إسرائيلية وما يتبعها من رهن لمقدرات الشعب الإيراني.