الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:54 AM
الظهر 12:40 PM
العصر 4:20 PM
المغرب 7:53 PM
العشاء 9:25 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

إسرائيل... فائض القوة وفقر السياسة

الكاتب: نبيل عمرو

منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خاضت إسرائيل حرباً هي الأطول في تاريخها، وعلى مدى عشرين شهراً أثبت الجيش الإسرائيلي بما يمتلك من مقدّراتٍ مميزة تفوقاً في كل الجبهات التي قاتل عليها، من غزة التي دُمرت على بكرة أبيها، إلى جنوب لبنان بل ولبنان كله، إلى سوريا وصولاً إلى اليمن ثم إيران.

غير أنَّ حروب إسرائيل المتكررة في الشرق الأوسط أثبتت من جهة أخرى أنَّ التفوق في القدرة لا يعني الحسم، وها هي رغم كل ما أنجزت عسكرياً لا تزال واقفة على سلاحها، خائفة على مصيرها، غير مطمئنة لحاضرها ومستقبلها، وهذا ما وصفه سيد قرار الحرب فيها بنيامين نتنياهو بأنَّها حرب وجود لا تُحسم إلا بنصرٍ مطلق ترسم إسرائيل من خلاله خرائط الشرق الأوسط الجديد، بما يضمن سيطرتها عليه وتحديد مصائر شعوبه ودوله!

إسرائيل المستندة استراتيجياً في كل حروبها على القوة الأميركية الجبارة، لم تُحسن قراءة وفهم الشرق الأوسط الذي «ابتليت» بالإقامة فيه، ولم يغادرها شبح الخطر الوجودي عليها كما تقول. رغم كل ما حققت من إنجازات عسكرية الكثير منها بدا باهراً مثل حرب يونيو (حزيران) 1967، ورغم مرور نصف قرنٍ على انتصارها الكاسح فيها، فإنها لا تزال سجينة مخاوفها، ورهانها على فائض القوة المتوفر لديها.

الشرق الأوسط الذي تحارب إسرائيل لإدخاله بيت طاعتها، حيث تبدو كمن يحاول إدخال جملٍ من ثقب إبرة، تبلور لدى صنّاع القرار فيه مشروع سلامٍ مجمعٍ عليه، قدّم لإسرائيل فرصة تاريخية، ليس لإنهاء الحروب منها وعليها فحسب، وإنما لما هو أهم وأعمق من ذلك... الاعتراف الجماعي بها عضواً طبيعياً في منتدى الشرق الأوسط، وتطبيعاً شاملاً للعلاقات معها، مقابل شرطٍ واحدٍ وحيد، هو قبولها لحقّ الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة على الأراضي التي احتلت في عام 1967، مع حلٍّ متفقٍ عليه لقضية اللاجئين.

إسرائيل في هذا السياق، كانت حصلت على اعترافٍ فلسطيني ثمين بحقها في الوجود ضمن حدود آمنة، سبقته معاهدة سلامٍ وُقّعت واحترمت من جانب مصر، تلتها معاهدة بالمواصفات ذاتها مع الأردن، وذلك قبل أن تصل أمور التطبيع إلى ما وصلت إليه مع دول عربية كثيرة، مع تأكيد من لم يطبع على أنه سيفعل إذا ما لبّت إسرائيل الطلبَ الوحيد المجمعَ عليه عربياً وإقليمياً ودولياً وهو إنهاء الاحتلال والموافقة على قيام الدولة الفلسطينية.

على المدى الطويل للصراع الذي أساسه القضية الفلسطينية، كان الفلسطينيون متهمين دائمين بإضاعة الفرص، وبعد اعتناقهم المتحمس لفرصة أوسلو، واستعدادهم لإقامة دولة منزوعة السلاح تعيش جنباً إلى جنب مع الدولة العبرية، انقلبت إسرائيل على كل ذلك، فحوّلت بفعل تولي الثنائي شارون - نتنياهو للحكم الفرصة إلى عكسها، وها نحن نرى ويرى العالم معنا تداعياتِ ما بدأ به شارون، واستمر به نتنياهو حتى يومنا هذا.

بوسعنا إلقاء بعض اللوم على بعض الفلسطينيين وبعض العرب وبعض الإقليم على مواقفَ ومسلكياتٍ لم تكن تتماثل مع مشروع السلام الدولي، الذي انطلق من أوسلو، غير أن كل المواقف والمسلكيات لم تكن السبب في انهيار المشروع، بالمقارنة مع القرار الاستراتيجي الليكودي بنسفه من أساسه، وتحويله من مشروع سلامٍ دولي نهائي ودائم، إلى مشروع حربٍ بدأت شرارته الأولى باقتحام شارون للمسجد الأقصى، ليتواصل شلال دمٍ لم ينقطع منذ ذلك اليوم حتى أيامنا هذه، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في أجزاء مهمة من الشرق الأوسط.

كلمة السر في كل ذلك، هي عند الطرف الأقوى عسكرياً وتحالفياً أي إسرائيل، التي فضّلت استخدام فائض القوة لديها كي تُخضع به الآخرين لا أن تتوصل إلى تسوياتٍ معهم، وليس من قبيل الصدفة أن أرباب سيناريو الحرب تداولوا صناعة القرار في إسرائيل، من شارون الذي رحل، إلى نتنياهو الذي بقي، دون تجاوز اختراقٍ عابرٍ ومحدودٍ مثّله إيهود باراك الذي قاد الحضور الإسرائيلي في كامب ديفيد، وبعد الفشل فسّر حضوره على أنَّه... من أجل كشف ألاعيب عرفات، وإثبات أنَّه لا يريد السلام!! في الشرق الأوسط مبررات كثيرة للشيء وعكسه... للسلام كحاجة لمن لا يريدون الحرب، وللحرب كحاجة لمن لا يريدون السلام. وها نحن في حقبة حرب الجبهات التي أولها غزة وليس آخرها إيران، نشهد صراعاً عميقاً قوياً ومكلفاً، يتواصل في الشرق الأوسط.

المعسكر العربي بإجماعٍ ودون استثناء، يريد سلاماً حقيقياً مع إسرائيل أساسه الحق الفلسطيني، وإسرائيل على استعدادٍ لأن تخوض ألف حربٍ لكي لا يتحقّق ذلك، كلمة السر ملخصها أنَّ فائض القوة لا جدوى منه مع فقر السياسة، وهذا هو حال إسرائيل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...