الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:03 AM
الظهر 11:33 AM
العصر 2:18 PM
المغرب 4:42 PM
العشاء 6:03 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الضفة الغربية: اقتصاد في مهب الريح

الكاتب: الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي-عضو مجلس إدارة هيئة التحول الرقمي الدولية - دبي

تواجه الضفة الغربية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تتقاطع فيها العوامل السياسية والمالية والاجتماعية لتنتج واقعاً معقداً يهدد استقرار المجتمع الفلسطيني ومستقبله التنموي. ففي ظل تصاعد التوترات الأمنية وتراجع الدعم الدولي، بات الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية يعاني من اختناق حاد يُنذر بتداعيات طويلة الأمد.

أولاً: أزمة ناتجة عن تراكمات

جذور الأزمة الاقتصادية لم تكن الأزمة الحالية وليدة الأحداث الأخيرة فقط، بل هي نتاج تراكمات ممتدة لعقود. يتجلّى مأزق الاقتصاد الفلسطيني في ثلاثية قاتلة: تبعية مالية تكبّله، وهشاشة في بنية الإنتاج تُعطّله، وغياب سيطرة على الموارد والمعابر تُبقيه رهينة لإرادة الاحتلال. هذه المحددات البنيوية تجعل من أي خطة اقتصادية مجرد مسكّن مؤقت ما لم يتم تفكيك القيود الهيكلية التي تعيق الاستقلال المالي والإنتاجي.

وقد فاقم الأزمة قرار وزير المالية الإسرائيلي وقف التفاهمات المالية مع البنوك الفلسطينية، ما يعقّد عمليات تحويل فائض الشيكل ويهدد استقرار النظام المصرفي برمته.

ثانياً: مؤشرات مقلقة على الأرض

تشير البيانات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية انكمش بنسبة تصل إلى 19% خلال عام، فيما تجاوزت نسبة البطالة 31%، مع تزايد مستمر في أعداد الباحثين عن العمل. ويقابل هذا الانكماش الاقتصادي ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات، ما أفقد الرواتب قيمتها الحقيقية.

القيود الإسرائيلية على الحركة عبر أكثر من 900 حاجز ومعبر أدت إلى شبه شلل في التجارة الداخلية والخارجية، وأضعفت القدرة التشغيلية للقطاعات الإنتاجية، وخاصة الزراعة والصناعة.

ثالثاً: النظام المالي تحت التهديد

 قرار وقف التفاهمات المصرفية مع إسرائيل يضع النظام المالي الفلسطيني في مهب الخطر. عدم القدرة على تحويل فائض الشيكل، وتقييد العمليات البنكية العابرة للحدود، يُنذر بأزمة سيولة خانقة. وإذا لم يُعالج هذا الملف بجدية، فقد يشهد السوق المحلي أزمة مصرفية تهدد استقرار الأفراد والشركات على حد سواء.

رابعاً: ضعف الاستجابة الدولية

رغم إعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات مالية تتجاوز 1.6 مليار يورو، فإن البطء في تنفيذها، وتوجيه جزء كبير منها لقطاع غزة، يجعل أثرها في الضفة الغربية محدوداً. كما أن الدعم الأممي يظل رهناً بالتحولات السياسية الكبرى، ولا يفي بمتطلبات الإنقاذ العاجل للاقتصاد الفلسطيني.

خامساً: معاناة القطاع الخاص

القطاع الخاص، الذي يمثل أكثر من ثلثي الوظائف في الضفة، يواجه أزمة وجودية. تراجع الطلب، وتضييق الخناق على الاستيراد، وارتفاع التكاليف التشغيلية، كلها عوامل تهدد استمرارية الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، ما يزيد من معدلات الإفلاس والبطالة.

سادساً: القروض المتراكمة والرواتب المتآكلة

تشير تقارير سلطة النقد إلى أن حجم القروض الممنوحة للأفراد تجاوز 11 مليار شيكل، مع ازدياد ملحوظ في حالات التعثر. ومع استمرار تآكل الأجور وتأخر صرف الرواتب، يجد المواطن نفسه في مواجهة ضغوط معيشية غير مسبوقة. هذا الواقع ينعكس سلباً على الاستهلاك والاستقرار الاجتماعي، ويزيد من احتمالات الانفجار الشعبي.

سابعاً: خارطة طريق للخروج من الأزمة

  1. إعادة تفعيل التفاهمات المالية مع الجانب الإسرائيلي لتفادي انهيار النظام المصرفي.
  2. رفع القيود المفروضة على الحركة والتجارة لدعم النشاط الاقتصادي.
  3. إطلاق خطة إنقاذ حكومية عاجلة لدعم الأسر المتضررة والمشاريع الصغيرة.
  4. تعزيز الشفافية والإصلاحات الإدارية لاستعادة ثقة المجتمع والداعمين الدوليين.
  5. تشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي كبديل عملي في ظل الإغلاق.

خاتمة: الضفة الغربية على مفترق طرق حاسم. فإما أن تستمر في مسار التدهور والانكماش، أو أن تبدأ مساراً جديداً قوامه الإصلاح السياسي والاقتصادي، والشراكة الحقيقية مع المجتمع الدولي. إن إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني ليس مهمة طارئة فحسب، بل ضرورة وطنية لحماية النسيج الاجتماعي وتحقيق الكرامة الاقتصادية للفلسطينيين.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...