الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:54 AM
الظهر 12:41 PM
العصر 4:21 PM
المغرب 7:54 PM
العشاء 9:27 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

أزمة وقود أم ازمة أخلاق

الكاتب: رائد محمد الدبعي

حين  سقطنا جماعيًا تحت عجلات الجالون

برصاصةٍ في الصدر، انطفأت حياة مواطن فلسطيني على مدخل محطة وقود في جنين قبل أيام ، لم يكن الفاعل هذه المرة المحتل، ولم يفقد حياته بسبب خلاف عائلي، إنما لأنه حضر إلى محطة الوقود ليعبىء البنزين . 

في بلدٍ محتلٍّ ومجتمعٍ يعاني إرهاب الاحتلال وشظف العيش وصعوبة الحياة، وفي مجتمع أصبحت فيه لقمة الخبز الكريمة، وتوفير مقومات الحياة حلم يراود الاَباء والأمهات، تحوّلت طوابير الوقود إلى خطوط تماس اجتماعي، وتحوّلت محطات الوقود  إلى ميادين اشتباك داخلي، بل مراًة لواقع مجتمعي تجاهلناه مرارا، إلا أن نبت وشبّ وتفجر كالوحش  في داخلنا في أول أزمة مجتمعية، فما حدث خلال الأيام الماضية وما زال يحدث حتى كتابة هذه السطور ليس نتاج مجاعة ليبرر، ولا هو نتاج نقص في مياه الشرب ليتم تبريره،  إنما هو انعكاس لواقعنا المجتمعي المهلهل والرث، فحين تنعدم المسافة  بين من يطلب حقّه في التنقل وبين من يعتاش على عوز الناس، وحينما تسحق قيم التضامن المجتمعي أمام بريق  " الجالونات البلاستيكية"،  و"أخلاقيات السوق السوداء" التي لا تعترف بحاجة المريض ولا بدورية الإسعاف ولا بأخلاق الطابور،  لتصبح القاعدة: من دَفش أولاً، نجا أولاً،  ومن انتظر... فإلى المقبرة أو البيت. ‎

في ليلة غاب بنزينها في الضفة الغربية، سقطت فيها مفاهيم كنا نظنها من المسلّمات: التضامن، التكافل، النظام، خير أمة أخرت للناس،  تحوّلت محطات الوقود خلال الأيام الماضية  إلى كوميديا سوداء، يسود فيها "ماراثون الجالونات"، حيث لا مكان للاحترام، ولا قيمة للمحتاج، ولا قانون سوى "ادفش تُعبِّ، اسرق تُنجِ، تاجر تُربِ". ‎فهل هذه أزمة وقود فقط؟ أم هي أزمة رقابة، أزمة قيادة، وأزمة أخلاق، إن الاحتلال الذي يتحكم بالمعابر، ويتحكّم بسلاسل التوريد، والذي يُدير المشهد من خلف الستار، لم يحتج لرصاصةٍ هذه المرّة كي يختبرنا، كل ما احتاج له هو تقليل ضخ الوقود وتسجيل الملاحظات، 
فإذا بنا نتقاتل، ونتكالب، ونتحوّل من "مجتمع الانتفاضة"  والتضامن والتكافل  والوعي المجتمعي، إلى "مجتمع الجالون"، ألم يسبق لهذا الشعب أن وقف موحّدًا في زمن الحصار، ألم  يسبق لهذا المجتمع أن سطّر قصص بالتكافل والتضامن والصمود، أين ذهبت روح التضامن والتعاضد والمؤازرة والتراحم والتكاتف والايثار والوحدة والانتماء التي ظهرت خلال النكبة والنكسة والانتفاضة الأولى والثانية،  أين ذهب ذلك التماسك الشعبي الذي صمد أمام الدبابة، والعقوبات  الجماعية، والجوع،  ‎في مدينة مثل نابلس، رغم وضوح الجهود الرسمية والشرطية المقدرة والمرئية لضبط الكميات، ومنع التخزين، واعتقال بعض المخالفين،  إلا أنّ الفوضى عمّت كما في غيرها من المدن. 

السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه أمام هذا المشهد الذي يعكس زيف ادعائنا بالكمال أو شبه الكمال أو حتى الاقتراب من الكمال: أين المؤسسات الأهلية، أين الوعّاظ والمنابر، أين الإعلام الوطني، أين النقابات العمالية، أين المثقفون، أين الأحزاب السياسية، أين القطاع الخاص، أين رجال الأعمال، أين القضاء، أين الحاضنات الشبابية، أين الفصائل والقيادات المحلية؟كل هؤلاء غابوا عن مشهدٍ لا يحتاج إلى خطاب سياسي، بل إلى أخلاق وقيم وانتماء جمعي، وما جرى يعيد للذاكرة ما قاله نزار قباني بعد نكسة عام 1967، إذا خسرنا الحرب لا غرابه لاننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة، بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة، لاننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة. 

ما جرى، ليس سوى جرس إنذارٍ صارخ: نحن أمام فقدان تدريجي للتماسك الاجتماعي.
وإن لم يكن ما حدث كافيًا لنتدارك أنفسنا، فلتنتظروا اختبارًا أخطر: أزمة غذاء أو  أزمة دواء أو أزمة ماء، 
فهل سنذبح بعضنا على كيس طحين، 
هل سندفن ضمائرنا مع أول أزمة مياه، 
هل سنبيع المرضى بثمن وجبة ساخنة في السوق السوداء،  ‎على أهمية ان تقوم المؤسسة الشرطية والأمنية وجهات الاختصاص بأخذ دورها وهو هام ومؤثر وأساسي، إنما الحلول الأساسية لهذه الظواهر والمؤشرات تحتاج إلى مقاربات أخلاقية وتربوية وتوعوية وثقافية، 
نحتاج إلى منابر حقيقية تعيد تربية الحسّ الجمعي، تُذكّر الناس بواجباتهم كمواطنين،  
نحتاج إلى رجال دين يصرخون في وجوه المحتكرين والمستغلين، يدافعون عن العدالة الاجتماعية والمساواة والتضامن، ويزرعون بذورها في قلوب وعقول المواطنين بالمساجد والكنائس والكنس السامرية، نحتاج إلى إعلام لا يُغطّي الحدث فقط، بل يفضحه ويُحرّض على فضيلته، لا على غريزته، نحتاج إلى فصائل تعود للناس، لا تُعيد توزيع بياناتها الميتة، 
نحتاج إلى مجتمع يتذكّر نفسه قبل أن يُصبح هو ذاته الخطر الأكبر على نفسه. ‎فما جرى، هو اختبار... وقد سقطنا فيه جميعًا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...