احتفالات الخاسرين

رأي مسار
منذ توقفت العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل، إثر التدخل الأمريكي فيها، تجاهل المتقاتلون الخسارات الفادحة التي تكبدوها، وتسابقوا في اختراع البراهين عن أنهم انتصروا، وأن الساحات التي تعرضت للقصف والتدمير تتهيأ لاستقبال المحتفلين بالنصر.
أمريكا التي استعملت أقوى طائرة في التاريخ، تبدو خسارتها طفيفة بالقياس لخساراتها في جميع حروبها السابقة، وآخرها أفغانستان دون أن نذهب بعيداً في التاريخ ونذكر بفيتنام. إذاً يكفيها ادعاء رئيسها بأنه انتصر لولا اللطخة السوداء التي وضعتها نيويورك تايمز والـ سي إن إن والسيناتور ساندرز على وجه ادعاء النصر، حين استخدموا تقريراً سرياً استخبارياً رسمياً يفيد بأن قصف المنشآت النووية الإيرانية لم يُنهي المشروع بل أخّره عدة شهور لا أكثر.
كما عودتنا أمريكا فهي تحتمل الخسارة أكثر من غيرها ولا يعدم رئيسها ترمب وسيلة لتسويق الخسارة على أنها نصر، مع أن ما فعله في إيران ليس قليلاً في الأصل.
الإيرانيون يحتفلون وبمنطقهم الخاص يحق لهم الاحتفال إذ أن الخسارة المادية من الأمور المتعود عليها، وخسارة القادة والعلماء هي مكسب جزاؤه عند الله، ويمكن تعويضه، وخسارة الأجواء بفعل حصارها الطويل الذي حرمها من التكنولوجيا الدفاعية هي تحصيل حاصل، وبقاء النظام بعد توعد إسرائيل له وتهديدها بتصفية رأسه المرشد الأعلى، أمر يستحق اعتباره نصراً يجدر الاحتفال به.
أمّا نتنياهو الذي يشعر من أعماقه بأنه لم ينتصر، فهو يكثر من الحديث عن إنجازاته المذهلة دون الإشارة إلى خساراته الفادحة جرّاء الدمار الواسع الذي أصاب المدن الإسرائيلية لأول مرة في كل حروبها العسكرية التقليدية، وخساراته الاقتصادية التي تفوقت بأرقامها على كل الخسارات التي تكبدتها في الحروب السابقة، وأهم ما يدل على شعوره بالخسارة هو كثرة الحديث عن النصر الذي كان يسميه في حرب غزة بالمطلق، ويسميه في حرب إيران بالتاريخي، وبين المطلق والتاريخي اللذين لم يتحققا فعلاً، خسارات فادحة.
حين تهدأ الأمور ويحين وقت الحساب ستكون خسارته الأكيدة سقوطه الحتمي فيما يخشاه وهو الانتخابات القادمة، ومن يعش يرى.