الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:56 AM
الظهر 12:42 PM
العصر 4:22 PM
المغرب 7:55 PM
العشاء 9:27 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

بين حرب الأيام الستة وحرب الإثني عشر يوماً

الكاتب: نبهان خريشة

بدأت الحرب الأخيرة على إيران بضربة استباقية سريعة، تمامًا كما حدث في حرب عام 1967، أو ما أطلقت عليها إسرائيل اسم "حرب الأيام الستة"، وفي كلتا الحالتين اعتمدت إسرائيل على عقيدتها العسكرية القائمة على الضربات الاستباقية والهجوم في عمق أرض العدو، لتحقيق شلل كلي في قدراته الدفاعية. وبينما كانت نتائج حرب حزيران كارثية من حيث احتلال أراضٍ وتقويض السيادة العربية، فإن الحرب ضد إيران – رغم أنها لم تُفضِ إلى احتلال أراضٍ مباشر – أفضت إلى نتائج أمنية وسيادية مدمّرة لا تقل خطورة عن تلك التي أحدثتها حرب الـ 67، إذ استهدفت البنية التحتية العسكرية والنووية، ونُفّذت في عمق الأراضي الإيرانية، وجاءت كجزء من مشروع أوسع لإعادة رسم خريطة المنطقة، وفقًا للمصالح الإسرائيلية والأمريكية - الغربية.

وكانت حرب حزيران/يونيو 1967 قد شكّلت نقطة تحوّل حاسمة في مسار الحركة القومية العربية، التي كانت في أوج صعودها آنذاك بقيادة جمال عبد الناصر. فالهزيمة السريعة والمدوية التي لحقت بالجيوش العربية أمام إسرائيل خلال ستة أيام فقط، وما نتج عنها من إحتلال الضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيناء، والجولان، أحدثت صدمة نفسية وسياسية عميقة في الوعي العربي الجماعي. انقسمت النخب والجماهير بعد الحرب بين من تمسكوا بالخطاب القومي، محاولين تبرير الهزيمة بـ"النكسة" لا "الهزيمة"، وبين من بدأوا البحث عن بدائل فكرية وسياسية. فصعدت التيارات الإسلامية، والشيوعية، وحتى القبلية والطائفية، على أنقاض المشروع القومي، مستفيدة من الفراغ الذي تركه سقوط الحلم الوحدوي.

وأشارت النتائج الأولية إلى أن ما دفعه التيار القومي العربي من ثمن في أعقاب هزيمة 1967، ربما يدفعه التيار الإسلامي الشيعي في إيران اليوم، فقد بدأت تتضح ملامح مرحلة مقبلة تسعى فيها قوى غربية لتغيير النظام من الداخل، لا عبر الغزو التقليدي، بل من خلال اختراق الجبهة الداخلية، وتوظيف نخبة محلية تدين بالولاء للغرب. وهنا تكمن المفارقة: فبينما سقط القوميون بعد 1967، تفتح الأيام القادمة سؤالًا كبيرًا عن مصير الإسلاميين في إيران، وهل سيكون البديل قوة وطنية مستقلة، أم حفنة من العملاء، كما حدث في دول أخرى.

وتُظهر حرب الإثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران ملامح استراتيجية أوسع تتجاوز نطاق الصراع العسكري المباشر، لتكشف عن سعي قوى غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى إحداث تغيير في بنية النظام الإيراني من الداخل (رغم التصريحات الصادرة عنها التي تفيد بعكس ذلك)، عبر أدوات متعددة، أبرزها توظيف نخبة محلية تحمل ولاءات ثقافية وسياسية تجاه الغرب. فهذه الحرب، رغم قصر مدتها، لم تكن مجرد مواجهة تقليدية، بل بدت كاختبار لقدرة الداخل الإيراني على التصدع تحت الضغط الخارجي المركّب: العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي. ومنذ سنوات، عملت هذه القوى الغربية على بناء شبكة من النخب المثقفة والاقتصادية، في الجامعات والإعلام، وحتى في بعض مفاصل الدولة، تتبنى خطاب "الإصلاح التدريجي" أو "الانفتاح على الغرب"، لكنها في جوهرها تؤسس لحالة استنزاف بطيء للمشروعية السياسية والدينية للنظام. وقد تجلى دور هذه النخب خلال الحرب الأخيرة، إذ بدا بعضها مستعدًا للتشكيك في سردية الدولة الإيرانية حول طبيعة المواجهة، بل وطرح أسئلة حول جدوى المقاومة، وجدوى دعم الحلفاء الإقليميين.

ولم يعد خافيًا أن مشاريع "التغيير السلمي" عبر الداخل الإيراني باتت أداة مفضّلة للغرب، بعد فشل سيناريوهات المواجهة الشاملة. فالرهان انتقل من إسقاط النظام بالقوة إلى تفكيكه من الداخل، عبر إنهاك الثقة الشعبية، وتعزيز الانقسامات، وخلق طبقة وسطى مرتبطة اقتصاديًا وثقافيًا بالغرب. وتعمل هذه النخب على تسويق نماذج "ديمقراطية غربية" بمعزل عن الخصوصية الإيرانية، وهو ما يُعد في نظر دوائر القرار الغربي مدخلًا فعالًا لإعادة تشكيل إيران، بما يخدم التوازن الإقليمي الجديد الذي تسعى إسرائيل لتكريسه بعد تحييد سوريا وحزب الله، ومحاصرة حماس والسعي لإزالتها عن المشهد. إن حرب الإثني عشر يوماً لم تكن مجرد معركة صواريخ، بل كانت جزءًا من معركة إرادات طويلة الأمد، يشتبك فيها الداخل والخارج، وتلعب فيها النخبة المحلية الموالية للغرب دور "حصان طروادة"، في مشروع قد لا يُسقط النظام بضربة واحدة، لكنه يراكم الشروخ في جدرانه من الداخل.

وحرب الإثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل كشفت عن واقع استراتيجي جديد في المنطقة، أبرز معالمه تهاوي شعارات التحالفات الكبرى التي رُوّج لها طويلاً، وفي مقدمتها مفهوم "وحدة الساحات" الذي تبنته إيران ومحور المقاومة، والذي يفترض تفعيل جبهات متعددة في آنٍ واحد، لخلق توازن ردعي في وجه إسرائيل. غير أن المواجهة الأخيرة أثبتت أن هذه الوحدة لم تتجاوز حدود الشعارات، إذ بقيت جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن في حالة جمود حذر، واختارت أطرافها الاكتفاء بالتعبير عن التضامن اللفظي، دون الانخراط الفعلي في المواجهة، ما جعل إيران تقاتل وحدها في ساحة مكشوفة.

وفي ذات السياق، تبيّن أن الرهان الإيراني على تحالفات دولية مع روسيا والصين لم يكن في محلّه. فقد اختارت كل من موسكو وبكين التزام الحياد العملي، وربما الضمني، تجاه الهجوم الإسرائيلي ـ الأميركي، مفضلتين مصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية على مناصرة حليف يتعرض لحرب علنية. لم تُفعّل الصين أي أدوات ضغط، ولم تستخدم روسيا نفوذها في مجلس الأمن، ما عكس حدود هذا "التحالف" الذي لا يرتقي إلى مستوى الردع المشترك أو الدفاع السياسي الحاسم.

ولعل الأدهى أن الحرب كشفت حجم الاصطفاف العربي إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، لا سيما توفير انظمة عربية، بحسب تقارير متقاطعة، تسهيلات لوجستية واستخبارية للهجمات على إيران، سواء من خلال قواعد عسكرية مشتركة أو تبادل معلومات. في المحصلة، أثبتت حرب الإثني عشر يوماً أن إيران تقف اليوم أمام واقع استراتيجي مغاير لما تصوّره إعلامها ونخبها. فقد تخلّى الحلفاء عن مناصرتها، وتهاوت فكرة "وحدة الساحات" نهائيا أمام الحسابات الضيقة، فيما اصطفّ خصومها العرب إلى جانب أعدائها، في لحظة نادرة من التلاقي الجيوسياسي.

إن التاريخ يعيد نفسه، فكما دعمت دول كبرى إسرائيل في حرب 1967، فإن نفس هذه القوى – بل وأكثر منها – دعمتها اليوم ضد إيران، لكن هذه المرة بمشاركة أعمق وتورّط مباشر من دول عربية اعتبرت نفسها ذات يوم جزءًا من الصراع، فأصبحت الآن جزءًا من الحلف المعادي لإيران. وهنا يبرز الفارق الأهم: في حرب 1967 احتُلت الأرض العربية بوضوح، أما اليوم، فإن الأراضي الإيرانية لم تُحتل، ما يعطي طهران هامشًا لإعادة بناء ما تهدّم. ومع ذلك، فإن التحدي الأخطر ليس ما حدث على الأرض، بل ما حدث وسيحدث في الداخل. فالاقتحام لم يكن فقط عبر صواريخ وطائرات، بل من خلال عمل أمني داخلي معقّد، مهّد للضربة الكبرى. وبناء على ذلك، فإنه من المنطقي الاستنتاج بأن طهران ستعمل على تطهير جبهتها الداخلية، واستئصال خلايا الولاء الخارجي، وإعادة صياغة مشروعها الوطني بعد سقوط الحليف السوري، وانكفاء حزب الله.

وفي السطر الأخير: نعم، إيران هُزمت في هذه الحرب، الا أن السؤال الحاسم الآن ليس ما إذا كانت الهزيمة قد وقعت، بل كيف ستتصرّف إيران بعد هذه الهزيمة: كقوة مسؤولة تسعى لاحتواء الخسائر، أم كمهزوم يختبئ خلف خطاب النصر الزائف، في محاولة يائسة لترميم ما لا يمكن ترميمه؟!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...