أين العرب مما جرى ويجري وسيجري في المنطقة ؟

الكاتب: أحمد صيام
وبعد ان وضعت الحرب الاسرالئيلية الايرانية أوزارها ، يُعد العدة في الاروقة الخفية على تقاسم الكعكة بين الاطراف بكل سرية ودون تسريب اية معلومات قد تعيق تنفيذ المخخططات المبيتة للمنطقة ومقدراتها !!
لن أخوض في حيثيات هذه الحرب التي اشعلتها دولة الاحتلال بضربة استباقية فاجئت اركان الدولة الايرانية وراح ضحيتها مسؤولين من الصف الاول بالقيادة ، وما تبعها من ضربات صاروخية ايرانية ، صحيح انها الحقت اضرارا فادحة في دولة الاحتلال ، وهي المرة الاولى في تاريخ هذه الدولة السرطانية التي أُصطنعت لتنهش الجسد العربي وتُبقيه جثة هامدة تعيش على إنعاش بين الفينة والفينة !! وتُوجت الحرب بضربة امريكية يمكن القول انها مؤثرة وموجعة للمشروع النووي الايراني ، بصرف النظر عن كيفية ترتيباتها الا أنها من دون شك كانت لصالح الحليف الاهم في المنطقة لامريكا ، الا وهي تلك الدولة السرطانية ، والتي من كل بد ستستثمر كل ما جرى لتنفث سمومها من جديد وتنشر خلاياها في انحاء اكبر من الجسد العربي !!
السؤال الذي يطرح نفسه وسط المعطيات والمجريات : أين الامة العربية مما جرى ويجري وسيجري ؟ الرؤية العربية كانت وما زالت مُغيبة ، واقتصرت ردود الفعل العربية كالمعتاد على بيانات الادانة والاستنكار والشجب والتحذير من العواقب والدعوة الى تحكيم لغة العقل والمنطق على لغة القوة والعسكرة !! ومنها من كان يعمل من تحت الطاولة ومد دولة الاحتلال بالعدة والعتاد وفتح الاجواء امام الطيران الاسرائيلي والتصدي للصواريخ الايرانية للحيلولة دون وصولها الى اراضي فلسطين التاريخية المحتلة من دون الاكتراث الى مكان سقوطها ، والمُخزي بالامر ان كل هذه التسهيلات العربية من دون مقابل كان من الممكن انتزاعه من دولة الاحتلال لصالح تعزيز السلام في المنطقة وإبعاد شبح الحروب عنها ، إنما فقط اوهام لضمان بقاء أنظمتها ، ولو نستخلص العبر من التاريخ وندرس الماضي جيدا لنجد ، ان ما تظنه الانظمة العربية حماية لكياناتها ، ما هو الا وهم ، والاصح القول ان زوالها جرى تأجيله الى حين ليس ببعيد ، ولكن بعد استنفاذ الدور المناط بها لتسهيل تمرير ما يُكاد للمنطقة وشعوبها المغلوبة على أمرها !!
من دون شك ان هناك فصل جديد يجري كتابته لمنطقة الشرق الاوسط الاوسط على وجه الخصوص ، والوطن العربي على وجه العموم ، وربما خلخلة وتصدع المشروع الايراني بعد استهداف ما كان يطلق على نفسه " محور المقاومة " يعني ان هناك انهيارقادم للعالم العربي الذي بات لقمة سائغة للمشروع الصهيوأمريكي ، المبني على فكر عقائدي توراتي بحت ، ولعل الاسم الذي أطلقه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو على حربه مع ايران " الاسد المستيقظ " خير دليل على عقائدية الدولة العبرية ، فالاسم مستوحى من آية من التوراة وترمز الى شعب قوي منتصر وسينهض هذا الشعب ويرتفع كالاسد البالغ ، ونتنياهو اراد من هذا الاسم ان يوجه رسالة توراتية لاهوتية الى ايران اولا ، ومن ثم الى العالمين العربي والاسلامي .
حكومة الثالوث العنصري المتطرف التي يقودها نتنياهو ومن خلفه بن غفير وسموتريتش ، ما هم الا مجموعة من مجانين العصر الحديث ، ينساقون وراء احلامهم الهولامية ، لذلك تراهم لا يدخرون جهدا في التدمير والتخريب والوحشية ، كتلك التي واجهها العالم ، واليهود على وجه الخصوص إبان حكم النازيين والفاشيين ، حيث كل من هتلر وموسوليني كانا رهينة عقيدتهما العنصرية التي تنكر الاخر وتتعنصر لاجناسهم .
ولم يعُد سرا ما يُخطط هذا الثالوث المجنون بدعم امريكي غربي طامع للمنطقة ، خطط مبنية على نظرية التفوق المستمدة من الاساطير التي يروجون لها ، وان الرب قد منح هذه الارض لليهود الذين سيحكمون العالم كونهم " شعب الله المختار "، هذه النظرية كانت وما زالت تسيطر على افكار جميع حكام اسرائيل ، ويعتقدون انهم الوحيدون الاحق بالقدس عاصمتهم الابدية ، ومن ادبياتهم المنتشرة : " شلت يميني إن نسيتك أورشليم " وان الهيكل المزعوم يجب ان يقوم على انقاض المسجد الاقصى لا قدر الله ، لذلك تراهم ينهجون اساليب التخريب والتدمير لكل مكونات المجتمع الاخلاقية والمادية والمعنوية ، وتسخير ما أمكن طاقات واستخدام شتى الوسائل ابرزها الربا والدعارة والدسائس لتمرير ما يُبيتون ، وهو ما انتبه اليه هتلر لدى توليه الحكم في المانيا عام 1932 ، حيث أمر باغلاق كافة اماكن الدعارة والربا ، لتيقنه ان القائمين عليها يهود ، ولادراكه ان ذلك يصب في مصلحة بلاده والجنس الآري والمضي في تحقيق احلامه بالسيطرة على العالم ، ولولا تهوره وجنونه ووحشيته وعدم درايته السياسية الكافية لكان قد نجح في مخططاته .
نظرية التنفق الصهيونية التوراتية تنظر الى العرب بازدراء واحتقار، وهو ما بدى واضحا في تصريحات كثير من ساسة وعسكر وحاخامات دولة الاحتلال ، من ابرزها تصريحات نتنياهو الاخيرة في الامم المتحدة والتي عرض فيها خارطة تعبر عن الاحلام الصهيونية التوراتية وامتداد دولة اسرائيل من النيل الى الفرات وكأنه يقول ان حدود دولته هي اخر نقطة يقف فيها الجندي الاسرائيلي ، وتصريحات سموتريتش بشأن تهجير الفلسطينيين وضم جميع الاراضي الفلسطينية الى الدولة العبرية ، وكان هناك تصريحات سابقة من عسكريين اسرائيليين توضح النظرة العنصرية التوراتية للعرب ، من ابرزها تصريحات رفائيل ايتان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي الاسبق والذي وصف العرب بالصراصير الثملة داخل زجاجة ، مستبعدا ابرام سلام معهم ، وتشجيع وزيرة الثقافة الاسرائيلية ميري ريغيف - والتي استقبلت بحفاوة في دولة الامارات العربية وزارت مسجد الشيخ زايد – دعمها لمنع الآذان لانها تعتبره شكلا من اشكال "الضجيج" . وكانت تصريحات عنصرية قد صدرت من رجال دين يهود ، من اهمها : تصريحات الحاخام الاكبر عوفاديا يوسف الذي دعا علانية الى قصف العرب بالصواريخ وابادة – ما وصفه – "هؤلاء الاوغاد الملعونين الافاعي" ، وتصريحات الحاخام يعكوف بيرن الذي قال ان مليون عربي لا يساوون ظفر يهودي واحد ، ناهيك عن المناهج التربوية العنصرية المستوحاة من التوراة ، والتي تزخر بشعارات تردد يوميا " الموت للعرب " وزرع الكراهية والتحريض والعدوانية لكل ما هو غير يهودي ، اضافة الى الاعلام الصهيوني المبرمج وفق الافكار الصهيونية التوراتية والذي لا يكاد يخلو يوميا بين سطوره من التحريض على العرب .
في ظل كل ما ذكر ، وعودة على ذي بدء ، وربما هناك ما هو اكثر ينتظر مصير العرب ، يطفو الى السطح التساؤل المؤلم : أين صُناع القرار العرب مما جرى ويجري وسيجري في المنطقة ؟ وهل سيبقى العرب قانعون وراضون بحالة الازدراء والاحتقار التي ينظر اليها الصهاينة والغرب وبقية الطامعين بمقدراتهم ويقفون موقف المتفرج وشعوبهم تجوع وتُباد ؟
واقع الحال يشير الى فراغ عربي كبير في الساحة ، ناجم عن حالة من الانقسامات والفرقة واختفاء الوعي الوطني وانهيار منظموة القيم وغياب الحالة الديموقراطية ، وإن لم يصحوا العرب من سباتهم وغفلتهم ويسارعون الى تشكيل تكتل عربي موحد قادر على فرض معادلة يُحسب لها الحساب من اللاعبين بالمنطقة ، تكون بمثابة رادع لاي مخطط يستهدفهم ، دورهم قادم لا محالة ، وستبقى ساحاتهم تُستباح من كل من يرى نفسه قوي يحق له ان يفعل ما يشاء على حساب المنطقة والشعوب العربية ، وسيخسرون قبلتهم - مكة – كما خسروا قبلتهم الاولى – القدس - وسيتباكون كالنساء على مُلك اضاعوه ولم يدافعوا عنه كالرجال !!