نبض الحياة: صدمات صاعقة متواترة

الكاتب: عمر حلمي الغول
قال الامام علي بن ابي طالب، رضي الله عنه حكمة تصلح لكل زمان ومكان، مفادها "لا تجادل الجاهل كي لا يغلبك في جهله"، لأن القبول بمبدأ النقاش مع شخص معروف بالجهل، ومنفوخ بعضلات اللغة الفاجرة، وبغطرسة القوة، ويفتقر للمعرفة والثقافة، فإن النتيجة سلبية 100%، ولصالح الجاهل بامتياز. لكن أين المفر عندما تصطدم شعوب الأرض برجل يقف على رأس أكبر امبراطورية معاصرة، هي الولايات المتحدة الأميركية، ومعلوم جيدا أن كل كلمة وموقف يعلنه له تداعيات وارتدادات على الشعب الأميركي وشعوب الكرة الأرضية، الامر الذي يفرض على زعماء العالم والمراقبين التصدي لصدماته الصاعقة والمتواترة التي تفاجأ العالم في كل صباح ومساء، والرد عليها أو تفنيدها، أو الصمت في بعض الأحيان، لكن مطلوب الاستعداد الدائم لكافة السيناريوهات من رجل الصفقات والصدمات لحماية الذات والعالم بما فيها شعب الولايات المتحدة من الكوارث التي يمكن ان تنجم عن تصريحاته الحارقة والخارجة لكل الفضاءات.
وجهل الرجل في علم التاريخ والجغرافيا والمنطق والقانون والثقافة العامة والبرتوكول، لا يعني انه لا يعي ما يريد، العكس صحيح، وما كان له صعود سلم السياسة والوصول لسدة البيت الأبيض الا بموافقة ومصداقة الحكومة العالمية والدولة العميقة في واشنطن، ولهذا ولج سباق الانتخابات الرئاسية، واعتمد أسلوب البلطجة والتغول على المرشحين الاخرين ومهاجمتهم ووصفهم بأقذع الاوصاف، واستبدت به نزعة الغطرسة والنرجسية "الانا " المتضخمة والعنصرية والمسيحانية الصهيونية، واختطاف الأضواء الإعلامية، رغما عنها، من خلال فرض خبره السياسي او التجاري أو الجنسي الفضائحي وغيرها، المهم ان يكون يوميا خبره متصدرا شاشات الفضائيات وانباء وكالات الانباء والصحف الورقية والرقمية، ولا يمكن لمطلق منبر اعلامي غض النظر عن خبر ساكن البيت الأبيض.
وهنا الضريبة مزدوجة، والثمن مرتفع، فالجميع قادة ونخب سياسية واكاديمية وإعلامية، جميعهم مضطر لمناقشة قنابله الموقوته والمتوالدة كالفطر، وهم يعلمون انهم خاسرين، لأنه اختطف كرسي الرئاسة وبنسبة أصوات هائلة بلغت 77% من الناخبين الاميركيين، وكونهم يدركون انهم يناقشوا رجلا تنقصه المعرفة والحكمة وكياسة الحوار، وغارق في الجهل.
آسف اطلت في تشخيص حالة الامبراطور النرجسي والبلطجي، وسعيت توضيح خلفية القبول بمناقشتة وما صدر عنه من صدمات متواترة، والثمن الشخصي والجمعي على الشعب نتاج مواقفه العنترية والغوغائية النزقة باهظة جدا، ومن قنابله المتناثرة والمتهافتة على الأقل من مساء الثلاثاء الماضي 24 حزيران / يونيو الحالي: قصف المواقع النووية الثلاث في ايران، مباشرة الدعوة لوقف دوامة الصراع بين ايران وإسرائيل، الزام نتنياهو بإعادة طائراته ال40 من منتصف الطريق، التي كانت متجهة لقصف طهران بعد حدوث اختراق لوقف اطلاق النار صباح الأربعاء 25 يونيو الحالي، ثم الذهاب لملف الناتو وزيادة نسبة الاسهام في موازنة الحلف من قبل الدول الأوروبية والاسيوية والأعضاء الاخرين، العودة للملف الإسرائيلي وتسخيف المعارضة والقضاء الإسرائيلي على ملاحقة نتنياهو، واعتبار محكمته استهداف سياسي وشخصي للرجل "الفريد" والنموذج الأمثل لشخص الرئيس الأميركي، ثم العودة للملف النووي الإيراني والدخول في مهاترات بينه وبين أجهزة الامن الأميركية ووسائل الاعلام التي نشرت تقارير تؤكد فشل عملية قصف المفاعلات، ثم مطالبة الدول العربية الخليجية لتعويض ايران عن قصف مفاعلها النووي .. ولا اعرف سببا لتدفيع العرب الجزية؟ ولماذا يجب ان يدفعوا ال30 مليار دولار أميركي، مع ان الإدارة الأميركية ورئيسها هم من اعد وخطط وقصف المفاعلات النووية؟!
وإذا توقفنا امام تدخله في الشأن الإسرائيلي، ونحن نعلم انه سيد إسرائيل، وصاحب نعمتها، وحاميها، وقادها في الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني مع سلفه السابق جو بايدن، وهو صاحب الكلمة الفصل في القرار السياسي والأمني العسكري والاقتصادي الاسرائيلي، لكن لماذا يؤكد المؤكد علنا؟ لماذا تفضح عار الدولة اللقيطة، والتي صرح أحد زعرانها من الإرهابيين أيتمار بن غفير ردا على تصريح سابق لك، "نحن لسنا نجمة في العلم الأميركي."؟ وهذا صحيح جدا، لان إسرائيل لم ترق يوما لمكانة ولاية، ولا تعدو أكثر من قاعدة متقدمة من المرتزقة الخزر لخدمة أغراض الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا. لكنه الرئيس الهائج اتفق مع البلطجي الصهيوني النازي الصغير نتنياهو على إنقاذه من مقصلة الملاحقة القانونية، وتحريره من قبضة حلفائه من زعران الصهيونية الدينية، وحماية كرسي حكمه.
وكان رجل العقارات والصفقات والصدمات فوجئ بالمبالغ التي تحدث عنها الإسرائيليين، ووصموا بها ملكهم الجديد وهي ملايين محدودة لا تذكر في معادلات الفساد والصفقات التي ابرمها ويبرمها هو، الذي مثل بالشكل والمحتوى أحد عناوين عتاة الفساد والسمسرة على مصالح الشعب الأميركي. واعتقد ان القرصان الأميركي سينقذ بغل سباقه الإسرائيلي من مقصلة المحاكمة، رغم عتب وغضب رموز المعارضة الإسرائيلية.
يبقى من الضروري التأكيد ان قرصان الصدمات المتواترة، إن لم تتمكن النخب السياسية والأكاديمية والثقافية والحزبية من عزله، وإنقاذ جائزة نوبل منه، فإنه ذاهب بالولايات المتحدة الى بحور متلاطمة من النيران والتمزق، مع تداعياتها العالمية.