الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 3:58 AM
الظهر 12:43 PM
العصر 4:23 PM
المغرب 7:55 PM
العشاء 9:27 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

في الذكرى الثانية لرحيل الشهيد قدري أبو بكر.. الفكرة التي لم تكتمل بعد

الكاتب: فادي قدري أبو بكر

في مثل هذا اليوم، الأول من تموز الأسود، ترجّل والدي الشهيد اللواء قدري أبو بكر، عن صهوة النضال، بعد أن أفنى عمره في سبيل قضية آمن بها حتى الرمق الأخير. رحل الجسد، لكن الحضور لم يغب، بل بقي حيّاً فينا.. في الذاكرة التي لا تذبل، وفي عهدٍ لا ينكسر، وفي إيمانٍ راسخ بأن دربه لم يُطوَ برحيله، بل ازداد وضوحاً واستمراراً فينا.

عامان مرا، وما زال صوته، مواقفه، ووطنيته الحقيقية، تسكن فينا، تُلهمنا، وتوجّه خطانا. في تموز الأسود، نفتقده، لكننا لا نرثيه فقط، بل نجدد العهد له، ونمضي على درب النضال الذي اختاره، بكل ما يحمله من مسؤولية وشرف.

عامان مرا على الفقد، لكنه لم يكن فقداً عادياً، بل افتقاداً دائماً لركن من الثبات، لرجل لم يعش لنفسه، بل عاش لفلسطين، للحرية، للكرامة، وللأسرى الذين كان واحداً من أبرز وجوههم. وما زال صوته بيننا يُعلّم، ويُربّي، ويُوجّه.. دون أن ينطق، إذ يكفينا أن نستحضر مواقفه، كي نستعيد البوصلة.

في نيسان من عام 2025، ووفاءً لذكرى والدي، افتتحنا كعائلة متحف الشهيد قدري أبو بكر في بلدته بديا – قضاء سلفيت. لم يكن الافتتاح مجرّد مناسبة احتفالية، بل كان بياناً وطنياً في وجه النسيان، وتجسيداً لالتزامنا بحفظ إرثه النضالي.

اخترنا هذا التوقيت بعناية، ليواكب شهر الأسير الفلسطيني، والذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاد أمير الشهداء خليل الوزير (أبو جهاد)، رفيق درب والدي وأحد أوائل من ساروا معه على درب النضال. ومن خلال المتحف، أردنا أن نرسل رسالة وفاء عميقة إلى الحركة الأسيرة، وأن نخلّد ذكرى القادة الذين رحلوا، تاركين لنا إرثاً من العزيمة والصمود، لتظل قصصهم منارةً تضيء دروب الأجيال القادمة.

لقد حرصنا أن يكون المتحف أكثر من صالة عرض لمقتنيات وصور ووثائق، بل مساحة حوار حيّ مع الذاكرة الوطنية، فمقتنيات والدي لم تعد أشياء صامتة، بل شواهد تنبض بالمواقف، وبالحكمة، وبالصبر، وبالإرادة التي لم تلِن. وداخل تلك الجدران، في كل زاوية، لا نعود فقط لنتأمل الماضي، بل لنستلهم منه ما يُعيننا على إكمال الطريق، لأن المتحف ليس نهاية السيرة.. بل بدايتها من جديد.

ولأن الذكرى لا تُكتفى بها، بل تُترجم إلى عمل، فقد ولدت من رحمها فكرة "مؤسسة الشهيد قدري أبو بكر – قدوة"، التي ما زالت في طور التأسيس. نحلم بها منصة ثقافية وطنية تُخاطب الأجيال، وتحفظ هذا الإرث لا كأرشيف ساكن، بل كمشروع حياة ووصية كرامة.

في عامين من الغياب، لم يمر يوم لم نشعر فيه بوطأة الفقد، لكنه كان أيضاً زمناً ازدهرت فيه ثمار الإرث، فقد منحنا الله في هذه الفترة لحظات أمل متجددة، من بينها واحدة نعتز بها كعائلة وطنياً وشخصياً: نجاح أختي الغالية دانا قدري أبو بكر في نيل درجة الدكتوراه في القانون العام من كلية الحقوق بصفاقس – تونس، بدرجة مشرف جداً.

لم يكن هذا النجاح الأكاديمي عادياً، بل استعادة لصوت أبي، وامتدادٌ لخطه الوطني. دانا لم تدرس من أجل اللقب، بل حملت رسالة الوالد، ورفعت اسم فلسطين والعائلة عالياً، في لحظة فرح نادرة وسط هذا الحزن الوطني العام.. لحظةٌ أعادت لنا شيئاً من البهجة التي افتقدناها، وملأتنا بفخرٍ لا يُنسى.

ثم جاءت لحظة أخرى، لا تقل رمزية وعمقاً.. ففي أول أيام عيد الأضحى المبارك 2025، رزقني الله بمولودي الثالث، وأسميته (جهاد فادي قدري أبو بكر).. جهاد الذي جاء إلى الحياة في زمن يُدفن فيه الأطفال تحت الركام في غزة، وتُطفأ الأعياد، وتُحاصر الحياة.. لم تكن ولادته حدثاً عائلياً فقط، بل رداً على الإبادة، وعلى محاولات النسيان.. لقد جاء حاملاً اسماً يشبه المرحلة.. جهاد في وجه اليأس، ووصية تُولد من جديد.

تذكّرت في تلك اللحظة قول أبي:

"هنا القدس، هنا تل الربيع، هنا وفي دمنا، في دم الأطفال يسري حب فلسطين، هنا فلسطين ولن يكون شيء غيرها."

ما زال الدم يسري، يا أبا فادي.. وما زالت فلسطين تُنجب أبناءها، تحفظ أسماءهم، وتزرعهم في أرضها كحُماة وأمل، لا كعابري زمن. فكل "جهاد" يولد في هذا الوطن، هو إعلان بأن الفكرة التي آمنت بها.. لم تمت، بل تكبر معنا، وتمتد من جيل إلى آخر.

وفي الذكرى الثانية لاستشهادك يا أبي، لا نرث فقط اسمك، بل نحمل رسالتك.. نُحييك فينا، في المتحف، في فكرة "قدوة"، في الكتاب الذي سأكتبه عنك، وفي كل مرة نروي فيها حكايتك لا لنُبكي، بل لنُلهِم.

نم قرير العين، يا والدي.. ففلسطين التي أحببتها ما زالت تنبض فينا، وما زلنا نؤمن – كما قلت ذات يوم – أننا "باقون إلى ما شئنا نحيا ونقاتل، ومع كل خطوة نتعلّم، نتعلّم ونُعلّم، وننمو وينمو معنا الأمل..".

لا زلت أشعر، كما قال أحد أحفاد كونفوشيوس حين وقف أمام قبر جده الأكبر بعد قرون، بأنني جزء من فكرة طويلة وعظيمة لم تُستكمل بعد!.

رحمك الله يا رفيق العمر، ولتظل ذكراك خالدة محفورة بأحرف من نور في صفحات النضال والتاريخ، تضيء لنا الطريق وتلهمنا للمضي قدماً في مسيرة العطاء والتضحية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...