عندما تتغول الدولة على مواطنيها تكون قد سلكت درب الانهيار

الكاتب: د. محمد عودة
منذ ما يقارب العقد من الزمان ورئيس وزراء إسرائيل موضع اتهام ويخضع للاستجواب في تهم بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة وقد بُوبت القضايا تحت الأرقام (1000و2000 و4000). يشار الى ان احدى التهم تسهيلات لشركة بيزك بمبلغ 370 مليون دولار، ومن اجل الالتفاف على القضاء أعلن وزير العدل المعين حديثًا ياريف ليفين يوم 4 يناير 2023، عن خطط لإصلاح القضاء الإسرائيلي والذي عرف (بالانقلاب القضائي) بما في ذلك الحد من سلطة المحكمة العليا والمستشارين القانونيين للحكومة، ومنح الائتلاف الحاكم أغلبية في اللجنة التي تعين القضاة.
يهدف الانقلاب القضائي بين أشياء أخرى الى تشكيل طوق نجاة لنتنياهو وتغول الحكومة على احدى اهم المؤسسات التي حافظت الى حد ما على استقلالية نسبية، اما في اعقاب السابع من أكتوبر فقد ذهب نتنياهو بعيدا في التغول على المؤسسات الرسمية وعلى راسها مؤسسة الجيش والامن اللتين كانتا خارج الصراعات الحزبية ويندرج في هذا الإطار اقالة كبار قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية وتعيين موالين لرئيس الحكومة بدل عنهم.
ان من يتغول على مؤسسات بلده لن يتورع في التغول الوحشي على الاغيار، فالدولة التي تغنت بالديموقراطية وأنها دولة القيم والأخلاق لم تتوانى في انتهاك كل ما له علاقة بالقيم والمبادئ والأخلاق وتعدت كل ذلك الى ممارسة التطهير العرقي والابادة الجماعية وبشكل معلن وعلى لسان نتنياهو نفسه والذي صرح في أكثر من مناسبة انه ذاهب الى تحقيق نبوءات دينية كنبوءة اشعياء، نبوءة يحزقيل وما ورد في الاصحاح العشرون من سفر التثنية، وتعدى ذلك وفعل بروتوكول هني بعل.
ان الغرض من هذه المقدمة هو المقاربة بين تعامل المؤسسة الصهيونية مع تصريحات النائب ايمن عودة والتي لم يأتي فيها بجديد فقد سبق وأكدت ما ورد على لسان النائب العديد من المؤسسات والشخصيات الإسرائيلية إضافة الى ما ورد من قرارات من المحاكم الدولية سواء الجنايات او العدل، ورغم كل ما سلف فقد عمدت لجنة الكنيست الى اقصاء النائب عودة رغم انه تحدث عن الشعبين، لم تقدم الكنيست على محاسبة قادة كثر في إسرائيل واولهم رئيس الحكومة حيث اعلنوا وفي العلن عن نيتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وليس هذا فحسب بل ان بعضهم ادين بهذه التهم في المحاكم الدولية.
لم يخضع يؤاف غالانت لنفس الاجراء الذي تعرض له ايمن عودة رغم انه أعلن في بداية العدوان عن فرض حصار شامل على قطاع غزة يشمل قطع الكهرباء والماء ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود واعتبر سكان غزة حيوانات بشرية مما يعد دعوة من مسؤول لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وتطهير عرقي مخالفا بذلك القانون الدولي ومستخدما الحقوق الأولية للمدنيين كسلاح في الحرب.
لم تقم الكنيست بمسائلة وزير الطاقة إسرائيل كاتس الذي امر شركة المياه الوطنية "ميكوروت" بقطع إمدادات المياه عن قطاع غزة "فورا، كما ان أحدا لم يحاسب كاتس على العملية التي اسماها السمك المالح والتي تقضي بإطلاق الناري على الغزيين الوافدين الى مراكز المساعدات.
لم يخضع وزير التراث الإسرائيلي عميحاي الياهو الذي طالب يوم الأحد الخامس من نوفمبر 2023 بضرب قطاع غزة بقنبلة نووية، وقال الياهو الذي ينتمي إلى حزب "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية) خلال مقابلة مع إذاعة "كول براما" الإسرائيلية "يجب ألا يبقى قطاع غزة على وجه الأرض، وعلى إسرائيل إعادة إقامة المستوطنات فيه، والياهو ليس أول مسؤول إسرائيلي يدعو إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل في غزة، حيث دعا عضو الكنيست السابق موشيه فيغلين، على حسابه على منصة "إكس"، إلى ضرب قطاع غزة بالسلاح النووي ولم يسائله احد لا هو ولا عضوة الكنيست تالي غوتليف، التي دعت الجيش الإسرائيلي إلى "استخدام السلاح النووي كذلك.
لم تحاسب الكنيست وزير الامن الداخلي في إسرائيل بن غفير والذي دعا الى تهجير سكان غزة وإعادة احتلال الضفة الغربية وانهاء السلطة الفلسطينية على طريق ضم الضفة الغربية الى إسرائيل (يهودا والسامرة) ولم تحاسبه على انشاء عصابات مسلحة لترويع وقتل الفلسطينيين.
لم يحاسب أحد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي يتولى أيضا منصب وزير دولة بوزارة الدفاع قال - خلال مؤتمر في الكنيست "نعمل على إنشاء إدارة للهجرة، ونستعد لذلك تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، والميزانية لن تكون عائقا.
لم يحاسب أحد القائد الذي اعطى الامر بدك وتدمير مشافي غزة ولا الجنود والطيارين الذين نفذوا الهجمات تقريبا على كل مشافي غزة، هذه الهجمات التي تعد ضمن القانون الإسرائيلي نفسه جرائم ضد الإنسانية، لكن الكنيست تريد محاسبة ايمن عودة على تصريحات تعتبر منسجمة بالمطلق مع القانون الدولي من جهة ومع توجهات المعارضين لنتنياهو من جهة أخرى.
لماذا إذا ايمن عودة، الموضوع ببساطة فيه رسائل لأهلنا في الداخل بان دورهم قادم وان لا حصانة لاحد على طريق تجسيد يهودية الدولة وتفعيل قانون القومية الذي يقول ان هذه الأرض لليهود وحدهم حق تقرير المصير فيها، ان محاولة ترهيب اهل البلاد الاصلانيين تنم عن قصور في الرؤيا وانحراف البوصلة وتعبر عن دخول الكيان كله في نظام فصل عنصري مطلق وبشع يدخل في مرحلة مقدمات الانهيار النهائي.
ان الكيان العابر وعنصريته واجرامه فإلى زوال اما ايمن وعزوته أهلنا ملح الأرض فهم الباقون وقد صدق محمود درويش عندما قال أيها المارون بين الكلمات العابرة، احملوا اسمائكم وانصرفوا واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا، واسرقوا ما شئتم من صور كي تعرفوا انكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء، سيبقى ايمن عودة ذلك الحجر الذي يني سقف الوطن اما أنتم فانصرفوا.