الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:01 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:24 PM
المغرب 7:54 PM
العشاء 9:26 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

من أصعب مهماتي الآن ... أن أُدرّس القانون في غزة 

الكاتب: بدر زماعرة

أصعب مهمة أمرّ بها هذه الأيام، ليست وضع خطة دراسية، ولا تأليف مادة، ولا تصحيح امتحان.
أصعب مهمة أعيشها فعلًا… أن أُدرّس "حقوق الإنسان"، و"القانون الدولي"، و"القانون الدولي الإنساني" لطلبة القانون في غزة.
كيف يمكنني أن أشرح لهم "الحق في الحياة" وهم يعيشون كل يوم على حدود الموت؟
كيف أُفسّر لهم مبدأ "حماية المدنيين في النزاعات المسلحة"، وهم بالكاد عادوا من وداع أحبّتهم تحت أنقاض البيوت؟
كيف أطلب منهم أن يحلموا بالعدالة، والعدالة ذاتها مغيّبة، معطلة، تتفرج من بعيد؟
أُدرّس موادًا انهارت أمام الواقع، وتكشّف عجزها في زمن الإبادة. موادٌ لم تُفرَض عقوباتها على المحتل، بل نزلت بثقلها على أجساد أبنائنا.
أُدرّسهم… وأنا أعلم تمامًا أن كل مادة نقرؤها تحمل وجعهم، وكل قاعدة نناقشها فيها فجوة تصرخ…
لكنني أدرّسهم أيضًا لأنني مؤمن بأن الوعي هو فعل مقاوم، وأن فهم القانون في هذا الزمن بالذات، هو سلاح ناعم في وجه الجريمة المغلّفة بشرعية زائفة.
نُعلّم لأننا نؤمن أن المعرفة تحرر، وأن التعليم ليس مجرد وسيلة للترقي المهني، بل هو مشروع إنساني يهدف إلى صناعة الإنسان الفلسطيني القادر على فهم واقعه وتغييره.
وهذا ليس مجرد خطاب نظري، بل واقع أعيشه شخصيًا بكل تفاصيله، من خلال تجربتي المباشرة مع طلبة غزة، حيث أُدرّسهم مساقات القانون عن بُعد، وللفصل الثاني على التوالي. أكثر من 100 طالب وطالبة أشاركهم هذه التجربة التعليمية والإنسانية بكل ما تحمله من ألم وإرادة وصمود.
هي تجربة تتجاوز التوصيف الأكاديمي لتكون شهادة حية على قدرة التعليم على اختراق الحصار، وبناء جسور من المعرفة وسط الركام، والإيمان بالإنسان رغم كل الانقطاع والخذلان.
لم تكن هذه مجرد تجربة تعليمية، بل كانت درسًا عميقًا في الإرادة والكرامة.
نستخدم أدوات بسيطة، وأحيانًا بدائية. ومع ذلك… ننجح.
نُناقش، نحلل، ننجز المهام، ونلتزم بمواعيدنا.
أتابع طلبتي وهم يتحدّون كل العقبات:
منهم من يقطع كيلومترات بحثًا عن شبكة إنترنت،
ومنهم من يرسل لي صور جثث عائلته المتفحمة، ويطلب فقط تأجيل تسليم التكليف لساعات محددة.
ومنهم من يُشارك من مركز إيواء، وسط الظلام، ومنهم من يحتمي بجدران مهشمة بينما يتابع المحاضرة،
لكنهم يصرّون على التعلّم، وكأنهم يجلسون في قاعات جامعة عالمية.
يا لها من إرادة حديدية… ويا له من إيمان داخلي بأن العلم أحد وجوه المقاومة والبقاء.
لأن الفلسطيني لا يتعلّم ليحصل على شهادة فقط، بل ليثبت أنه موجود… أنه قادر…
وأنه، رغم الحصار، يفتح نافذة نحو الحياة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...