بين تحطيم تمثال سلطان الأطرش وقصف دمشق، إسرائيل في قلب مشروع تقسيم سوريا

الكاتب: مروان طوباسي
في مشهد متسارع يعيد إنتاج الفوضى الامريكية المركبة المنظمة والخلاقة، نفذت إسرائيل غارات جديدة استهدفت مواقع في دمشق، في وقت دخلت فيه ما يُسمى بـ " عصابات الأمر الواقع التابعة لنظام الشرع الجولاني، الذين احتضنتها اسرائيل منذ بداية نشأتهم في جبهة النصرة “، إلى محافظة السويداء، وارتكبت جرائم طالت مدنيين وحطمت رموزا وطنية أبرزها تمثال القائد التاريخي سلطان باشا الأطرش. تزامن الحدثان لا يمكن فهمه بمعزل عن المسار الاستراتيجي الأوسع الذي بدأ منذ ما سُمي جزافا بـ “الربيع العربي"، حين انطلقت موجة تدمير الدولة الوطنية العربية، ووضعت سوريا على رأس قائمة التفكيك.
رمزية التمثال وضرب الهوية الجامعة
تحطيم تمثال سلطان باشا الأطرش لم يكن مجرد عمل عدواني ضد الدروز، بل استهدافا مباشرا للهوية الوطنية السورية الجامعة. فهذا القائد، الذي وحد السوريين ضد الاستعمار الفرنسي، يجسد رمزاً للوطنية العابرة للطوائف والمذاهب. من هنا، فإن تحطيم تمثاله في السويداء هو رسالة خبيثة تهدف إلى خلق شرخ بين الطائفة الدرزية وباقي مكونات المجتمع السوري، وشحن الأرض بوقود الطائفية، بعد ان تم تقويض الأساس الرمزي والأخلاقي للدولة السورية، بغض النظر إن كنا اتفقنا أو اختلفنا مع نظام البعث السابق، فإسقاط النظام شيء وأما إسقاط الدولة فهو شيئا آخر، أوصل سوريا إلى ما وصلت له.
إسرائيل كفاعل مباشر في مشروع التفتيت
الغارات الإسرائيلية على دمشق، التي أعقبت أحداث الجنوب والجبل في سوريا، تأتي لتؤكد أن إسرائيل ليست مراقبا خارجيا محايدا، بل فاعلا أساسيا في محاولة إعادة صياغة المشهد السوري. ضرباتها المتكررة ليست فقط لحسابات أمنية آنية، بل جزء من استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تآكل مؤسسات الدولة السورية وفرض معادلات الردع من جهة، والفتنة من جهة أخرى، والسيطرة على مناطق الجنوب السوري من جهة ثالثة.
الولايات المتحدة و"نظام الجولاني"
قوات ما يسمى بـ “نظام الأمر الواقع التابعة لأحمد الشرع أو الجولاني" ليست وليدة سياق داخلي بحت، بل تُعتبر أحد إفرازات السياسة الأمريكية والتركية والخليجية في سوريا والمنطقة. لقد مهّدت واشنطن الأرض لهذا الكيان السوري الهجين، كما فعلت سابقا مع "قسد" في الشرق، في إطار مشروع تفتيت سوريا إلى كيانات مذهبية وجهوية ضعيفة. ويبدو أن مهمة هذه القوات لا تقتصر على الأمن أو الحماية، بل تتعداها إلى مهام استخبارية وتخريبية، منها زرع الفتنة الطائفية وإضعاف وحدة القوى الاجتماعية الوطنية، خصوصا في مناطق لها تاريخ عريق في مقاومة الاستعمار، كما هو حال جبل العرب.
الجنوب السوري، خاصرة رخوة في الاستراتيجية الصهيونية
منذ بداية الأزمة، نظرت إسرائيل إلى الجنوب السوري كمنطقة استراتيجية لتوسيع نفوذها الأمني والسياسي. ومع تراجع سيطرة الدولة المركزية بعد إسقاط النظام السابق، برزت المحاولات الإسرائيلية، عبر القصف أو الأدوات المحلية والمفاوضات الجارية بين نظام الجولاني الشرع واسرائيل والتي كان اخرها قبل أيام في أذربيجان، لفرض معادلات جديدة تُمهد لفرض "منطقة أمنية عازلة" شبيهة بتجربة جنوب لبنان في الثمانينيات والوصول الى أتفاق تطبيعي سوري اسرائيلي كما يجري الضغط بنفس الاتجاه على لبنان.
إن دفع السويداء ودرعا نحو التفكك الداخلي، وتغذية النزاعات الطائفية أو الاجتماعية فيها، هو جزء من رؤية أوسع لإعادة رسم سوريا بوصفها خارطة من الكانتونات الهشة، تماما كما خُطط مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تم العمل عليه منذ احتلال العراق، وما يُخطط له في فلسطين ولبنان ايضا.
في مواجهة المشروع، التمسك بالدولة والهوية الوطنية
ما يجري اليوم في سوريا، كما في غيرها من بلدان الإقليم، هو صراع بين مشروعين، الأول يسعى لتفتيت الدولة وتحويلها إلى مجموعات مذهبية خاضعة للهيمنة الإسرائيلية والأمريكية، والثاني يتمسك ببقاء الدولة الوطنية، كضامن وحيد لوحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
إن الصمت الدولي والعربي تجاه ما يجري في السويداء من انتهاكات، وصمت البعض عن الغارات الإسرائيلية المتكررة كما يجري من صمت تجاه عدوان الإبادة في غزة ومخططات تصفية القضية الوطنية التحررية لشعبنا الفلسطيني، يجب ألا يُفسر على أنه تواطؤ مباشر فقط، بل كجزء من منظومة "إدارة الفوضى" التي تُبقي المنطقة مفتتة وضعيفة لتمرير المشاريع المعروضة.
الموقف الأميركي، دعم الفوضى المُدارة لا الاستقرار
لا يبدو أن واشنطن تسعى لاحتواء التصعيد في الجنوب السوري، بل تواصل دعم أدواتها المحلية كـ “نظام الجولاني الشرع "، في إطار استراتيجية الفوضى المُدارة التي تُبقي سوريا دولة منهكة ومقسمة. فالدعم الأميركي لهذه الكيانات، بالتوازي مع الصمت على الضربات الإسرائيلية، يعكس موقفا يتقاطع مع المشروع الصهيوني لتفتيت سوريا. وعلى الأرجح، ستواصل واشنطن الدفع نحو مزيد من الانهاك دون الوصول إلى انفجار شامل يعيق مشروعها، والى الدعوة الدبلوماسية المنافقة في نفس الوقت الى التهدئة والحوار، بما يضمن بقاء سوريا بلا استقرار، وبلا قدرة على التعافي.
ان الرد على هذا المشروع التفتيتي لا يكون فقط بالشجب، بل ببلورة مشروع وطني جامع، يعيد الاعتبار للهوية السورية الوطنية الجامعة، ويعيد بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري ودولته المدنية افتراضا من خلال إشاعة الديمقراطية والانتخابات الحرة، بعيدا عن الطائفية والتبعية والتقسيم وسيطرة المجموعات التكفيرية التي أتى بها أحمد الشرع الجولاني بدعم تركي مباشر وفق أطماع ورؤية الإمبراطورية الجديدة لأردوغان لتشمل بالإضافة الى سوريا أراضي من شمال اليونان واجزاء من البلقان.