الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:25 PM
المغرب 7:34 PM
العشاء 8:58 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قناع التسول

الكاتب: العميد لؤي ارزيقات

هي الطريقة ذاتها والأسلوب نفسه، ولكنهما بحِيَل جديدة وبتطور ملحوظ في الاحتيال والنصب والخداع، تحت غطاء التسول بسبب المرض والحاجة لسد رمق الحياة، قناع ارتداه رجل أربعيني قوي البنية، صحيح العقل والجسد، وسوس له الشيطان لاختراع الأكاذيب، فحول نفسه في صورة مسن مريض لا يتحرك إلا بعكاز، ومساعدة الآخرين لاستعطاف المارة لدفع المال كصدقة من جيوب الناس، لبناء الثراء الفاحش وشراء المركبات الفارهة دون عناء، في مهنة امتهنها، جمع فيها الثراء والإجرام واستغلال العواطف، مرتديا ملابس مهترئة للإيهام بالفقر والجوع، ليجمع المال بطريقة سهلة.

فاختار جلوسه في تلك الزاوية، على ذاك المفرق المزدحم وسط مدينة بيت لحم، الذي يؤمه الكثيرون من داخل وخارج المدينة، حتى اعتادوا على رؤية هذا الرجل بملابسه الممزقة في هيئة رجل مريض لا يتحرك من مكانه، ليرسم صورة في عقولهم وكأنه ركن من أركان هذه المنطقة، يتنقل أحيانا بعكازه ويتوسل المارة طلبا للمال بعضهم يرق قلبه ويدفع بعض ما في جيبه، وآخرون يمرون بصمت يغلفه الحزن لعدم قدرتهم على المساعدة، حتى الأطفال يساهمون بما جمعوه من مصروفهم ويدفعونه طلبا للأجر، لكن أحدا لم يتوقع أن يكون هذا "المتسول" صاحب الملابس المهترئة والأقدام البالية، كما أظهرها للناس، مجرد واجهة لواقع آخر... واقع مظلم وخطير، فيه الإجرام والتربح والغنى الفاحش، على حساب رقة قلوب أناس آثروا على أنفسهم ودفعوا أموالهم لمساعدة هذا "المحتاج" المحتال.

لكن الحقيقة في هذه البلاد المقدسة لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد، وفي لحظات كشفتها يقظة عناصر من مباحث شرطة بيت لحم، عندما لاحظت وجود هذا المتسول ذاته في أكثر من موقع وفي أوقات مختلفة، ويظهر بصحته الجيدة كلما ابتعد عن أماكن التجمع. اشتبهت إحدى دوريات المباحث بتصرفاته، وبدأت بمراقبته بهدوء وصبر وطول بال.

الاشتباه لم يكن فقط لطريقة تسوله أو مظهره، بل تدخل حسهم الشرطي وانتباههم لما يخفيه خلف تصرفاته، خاصة تنقله السريع رغم إظهاره الإعاقة، وتوقفه المتكرر عند سيارات لا تبدو عشوائية، ولكن المفاجأة كانت عندما شوهد المتسول يتجه نحو أحد الأزقة الخلفية، وحين ظن أن لا أحد يراقبه، خلع عباءته القديمة، واستقل مركبة فارهة من طراز حديث، كانت تلك اللحظة حاسمة.

لكن كان لا بد من التريث للوقوف على ما يخفيه من معلومات أخرى، ووضع تحت المراقبة المشددة، وفي اليوم التالي عاد بالأسلوب والطريقة نفسيهما، ولوحظ وجود تحركات مريبة في المحيط، عندها جاء وقت التدخل وتفتيش المكان من قبل المباحث العامة، لينكشف على حقيقته؛ فالشيخ المسن كان شابا أربعينيا، والملابس ليست هي الملابس التي يرتديها عند مغادرة موقعه والعودة إلى بلدته خارج المحافظة، وبتفتيشه، ضبطت كميات من الحبوب المخدرة المعدة للتوزيع، ليتبين إخفاؤه الإجرام وراء تلك الخديعة المسماة التسول بسبب المرض والحاجة.

لم تكن هذه المفاجأة الوحيدة، فقد كشفت التحقيقات أنه يمتلك أرصدة مالية كبيرة وحسابات بنكية عديدة، وتوصلت المباحث لمعلومات مهمة، لتسجل الشرطة نجاحا في كشف حقيقة ذاك الذي ظنه المجتمع فقيرا وقدم له المساعدة كل يوم، ومنهم أطفال، دون أن يتخيل أحد أنه كان يبيع الموت في أكياس الرحمة.

ولكننا يجب أن نتعلم أن ليس كل من يرتدي عباءة البؤس فقيرا، وليس كل من يمد يده محتاجا، وفي كل لحظة تعاطف قد تخفي بعض النفوس نوايا قاتلة.

كتب العميد لؤي ارزيقات، الناطق الإعلامي باسم الشرطة، نائب مدير إدارة الشرطة المجتمعية والإعلام

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...