التنسيق والمحور والخيانة والدولة!

الكاتب: بكر أبوبكر
طالعنا أحد المقالات لكاتب نقدر قلمه وعلمه، ونحترم شخصه، ولكننا بالرأي الذي اطلعنا عليه استفقنا على جدل غير منطقي في أجزاء منه، تظهر تمكن الفكر الحزبي الأيديولوجي "الاخواني" المناهض للفكرة الوطنية الجامعة، وإن كنا قد نتفق مع الأستاذ الكاتب في بعض بنوده الناقدة لطريقة إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية للأمور، فلديها من المساويء الكثير.
الا أن الرأي الشديد الاتهام المطروح من الكاتب قد يختلف مع رأينا أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي سلطة شعب، وشاركت فيها "حماس" أيضًا، بعد أن حرّمت ثم حلّلت ذلك! ومازالت تسعى للمشاركة فيها. وأن هذه السلطة (على ما فيها من عفن) ليست بديلًا عن فصيل حماس بل الفصيل هو الذي انقلب عليها بالدم.
إن تجسيد أو تحرير دولة فلسطين تحت الاحتلال هو المطلب الذي آن أوانه-من زمن طويل وأصبح أكثر لزومًا اليوم، بعد إعلان نيويورك والتهديد بمحو مدينة غزة- وعليه سأناقش 3 فرضيات فقط وردت بمقال الأستاذ المذكور:
الفرضية الأولى: قول الكاتب "إن تشغيل أكثر من 60 ألفا من أجهزة أمن السلطة في مطاردة المقاومة وتفكيك خلاياها في الضفة ( )، وفي قمع المظاهرات والمسيرات المؤيدة لغزة ( ) ، وفي إيجاد بيئة أفضل للاحتلال"....يمثل هذا القول القادح ضربة مرتدة ودفاع عن عدم قيام فصيل حماس بالضفة بأي شكل عسكري لنصرة حماس في غزة أولًا بإلقاء اللوم على الآخرين كالعادة فهم رداء النقاء دومًا ولا يخطئون أو يخورون! وثانيًا هي لازمة مكررة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، وكأن لديها جيش عرمرم جرار مستخدم ضد شعبه!؟ أي لخيانة شعبه! في طرح واتهام معيب جدا، وخارج عن الحقيقة، فيما الاحتلال الإسرائيلي الباطش لا يحتاج دعم أحد (سوى دعم الحليف الامريكي الأعظم بالمال والسلاح والعساكر والسياسة الخ، والذي يحقق من أكبر قواعد عسكرية له بالشرق الأوسط في دولتي قطر وتركيا "الاخوانيتين" كل مآربه). وهو يستبيح أرض وشعب سوريا ولبنان بسلاسة السكينة في الزبدة! ويستبيح فلسطين في غزة رغم أنف فصيل "حماس" منذ انقلابه الدموي على البلد عام 2007م، حتى النكبة الجديدة (2023-2025م) دون أخذ العبر لا منها ولا من التاريخ.
وهذا الاحتلال يستبيح الضفة رغم أنف السلطة منذ العام 2000 ونهاية اتفاق أوسلو وعدم قيام دولة فلسطين تحت الاحتلال.
والكاتب بهذه المقاربة، والاتهام "الإخواني" المتكرر لمخالفيهم بالعمالة!؟ والخيانة يتم تصوير "جيش" السلطة العرمرم أقوى من جيش سوريا وجيش لبنان وجيش حزب الله، وجيش إيران ...؟! كما تهمة منع المظاهرات مع فلسطين وغزة ونحن نعيش في فلسطين لم نسمع أو نرى ما يدل عليها، وهذا للأسف عار عن الحقيقة.
الفرضية الثانية: القول للكاتب "الاعتماد على عكازات "شرعية" مصطنعة عربية ودولية تحارب خط المقاومة (؟!) و"الإسلام السياسي"، وتتماهى مع أبرز شروط الاحتلال؟"... وهذه مقاربة لم يكف "الاخوان المسلمين" عن تردادها! وكأنهم هم حصريًا حُماة البلد الذي دمروه بغباء سياسي وقصر نظرعز نظيره، وبعدم القدرة على الاعتراف بالخطيئة ونقد الذات والتراجع لحضن الوطنية وكرامة للشعب المقهور في النزع الاخير. أوبالقول هم محور الخير والمقاومة والآخرين سواهم محور الشر والمساومة! في ثنائية عقلية مخادعة. (مع العلم أن محور الممانعة او المقاومة كما يسمونه جدلًا قد تفكك وترك حماس، وفلسطين انتصارا من كل طرف لبلده وشعبه ومصالحه).
إن مقاربة فكرة الفسطاطين=المعسكرين الموصوفة تعود فقط لإدامة الافتراق والانقلاب والفتنة بين الشعب العربي الفلسطيني، وكأن هناك اتفاق بينهم والصهيوني على منع أي شكل من أشكال دولة فلسطين أوالسلطة الوطنية مقابل دوام صوت الفصيل أي فصيل حماس ولوائها.
الفرضية الثالثة: أيضا تكرار غير حميد بالمقال لاسطوانة التنسيق الامني بين السلطة وبين الإسرائيلي وهي فترتها بنفس التنسيق الأمني بين فصيل "حماس" بغزة والإسرائيلي الذي منع إطلاق أي رصاصة أو حجر ضد الإسرائيلي ما قبل الطوفان تحت طائلة الاعتقال أو الطخ على الأرجل! كما حصل مما يسمى "الضبط الميداني" على الحدود مع الإسرائيلي. ولما وقعت الواقعة ومع اعترافات العقلاء بفصيل "حماس" بنتيجة الطوفان المعجزة! والمدمرة مازال هناك من يفترض أن مزيد من الدمار والقتل والجوع يمثل محور "المقاومة" الحصري بالفصيل وأتباعه! ولمن يعي ويفهم النظر في عبقرية خالد بن الوليد في مؤتة الذي اختار الرجوع والانسحاب (أهل المدينة المنورة سموا ذلك الفرار والهزيمة!) مقابل الجيش الرومي حفاظًا لأرواح الجيش، فما بالك بالحفاظ المطلوب اليوم على أرواح 2 مليون فلسطيني على الأقل تزهق يوميًا هدرًا بلا أي معنى ولا نتيجة إيجابية. إن الشعب أهم من الفصيل والفصيل في خدمة الشعب.
ونقول ختامًا آن الأوان لأنصار فكر "الاخوان المسلمين" وأسطورة أن "حماس" أو "الاخوان" جاءت مع النبوة!؟ أو المتطرفين فيها أن يكفوا عن ترداد ثنائيات أو متضادات فكرة أنا الحق، لا غيري، وغيري الباطل قطعًا، وأنا المسلم لا غيري وبذا أنا الاسلامي الوحيد وغيري لا، فهو كافر أو منافق صراحة أو تورية أو ما بين السطور. وثنائية أو متضادة أنا المقاوم أو المناضل لا غيري وغيري لا قيمة له فهو الخائن والعميل مهما فعل! وثنائية ما يسمونه خط "المقاومة" مقابل خط المساومة، أي عقلية استغفال وتجهيل الناس حيث مدرسة الفسطاطين. لنستفد جميعًا من خطايانا والدمار الذي سببناه لشعبنا بغبائنا أو قلة حيلتنا أو سوء تقديرنا أو افتقادنا للوعي ومنهج التفكير السليم، لنقف وقفة حب وكرامة لهذا الشعب الذي يستحق الحياة، وخدمة للوطن. ولنقف اليوم يدًا واحدة ولنعمل على تجسيد الدولة الفلسطينية القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والسياسي تحت الاحتلال في نضال وصمود وثبات ومقاومة وثورة شعبية ودبلوماسية وقانونية فلسطينية جماعية وعربية وعالمية تنتزع ما لم يكن قابلًا للانتزاع، والله معنا.