الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:46 AM
الظهر 12:41 PM
العصر 4:18 PM
المغرب 7:16 PM
العشاء 8:35 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

محو التاريخ الفلسطيني والصمود المستمر

الكاتب: فادي أبو بكر

أعلن الجيش الإسرائيلي، أخيراً، تصنيف 63 موقعاً أثرياً في الضفة الغربية باعتبارها "مواقع تراث إسرائيلي"، في خطوة أثارت إدانات واسعة ووُصفت بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي والالتزامات الدولية. ويأتي هذا القرار في ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي أسفرت حتى الآن عن استشهاد نحو 62 ألف فلسطيني، فيما ارتقى في الضفة الغربية أكثر من 1,031 شهيداً جراء الاعتداءات المتواصلة.

يشمل القرار العسكري، الذي وقّعه رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، 59 موقعاً في نابلس، وثلاثة في رام الله، وموقعاً واحداً في سلفيت. ويمثّل هذا التصنيف محاولة ممنهجة لمحو الهوية والتاريخ الفلسطيني، إذ يهدف إلى إعادة صياغة الذاكرة الجماعية لصالح الرواية الإسرائيلية، وإخفاء أي دليل على الحضارة الفلسطينية العريقة الممتدة منذ آلاف السنين.

تندرج هذه الإجراءات ضمن استراتيجية شاملة تستهدف التراث الفلسطيني بمختلف أبعاده الدينية والتاريخية والمعمارية. فمن إحراق المسجد الأقصى عام 1969، إلى قصف وتدمير المساجد والكنائس في غزة عام 2023، وصولاً إلى محاولات تهويد المواقع الأثرية في الضفة الغربية، يستمر الاحتلال في محاولاته لطمس الذاكرة الفلسطينية. وفي المقابل، يظل التراث الفلسطيني شاهداً حياً على حضارة عريقة وهوية متجذرة لا يمكن محوها.

إن الحفاظ على التراث الفلسطيني يشكل ركيزة أساسية للصمود الوطني وضمانة لبقاء الفلسطيني ثابتاً في أرضه ومتشبثاً بهويته. فصون التاريخ والذاكرة ليس مجرد حفظ للماضي، بل هو حماية للوجود ذاته، لأن الأمة التي تصون ذاكرتها تصون حقها في الحياة والاستمرار. وقد لخص معلمي ووالدي، الشهيد قدري أبو بكر، هذه الحقيقة بعمق حين قال: "نعم نحن باقون.. إلى ما شئنا نحيا ونقاتل، ومع كل خطوة نتعلّم، نتعلّم ونُعلّم، وننمو وينمو معنا الأمل". هذه المقولة تؤكد أن المعرفة والعلم هما السلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال، وأن الأمل المتجدد مع كل جيل هو ما يكفل استمرار المقاومة والحياة.

إن حماية التراث الفلسطيني وإيصاله للأجيال الجديدة مسؤولية جماعية، فالتراث ليس مجرد حجارة أو معالم تاريخية، بل هوية وذاكرة وكرامة. ومهما حاول الاحتلال طمس هذه الشواهد، ستظل الثقافة والتاريخ الفلسطينيان حيَّين، ينبضان في المدارس والبيوت والشوارع، ويمنحان الأجيال القادمة الثقة بجذورها وانتمائها.

يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الصمود إلى فعل يومي ملموس. فالمعرفة والتعليم والوعي بالتاريخ ليست شعارات، بل أدوات عملية لحماية الهوية وتعزيز الوجود الفلسطيني. والاستثمار في المدارس والجامعات، وتشجيع البحث في التاريخ والتراث، وتوثيق المعالم الثقافية والدينية، كلها خطوات تضمن أن تبقى الذاكرة الفلسطينية حيّة مهما حاول الاحتلال طمسها. كما أن دعم الاقتصاد المحلي والتكنولوجيا والإنتاج الثقافي من شأنه أن يرسّخ جذور الشعب الفلسطيني في أرضه، ويحوّل التراث إلى قوة حاضرة في الحياة اليومية، لا مجرد ذكرى ماضية.

بهذا الفهم، يصبح الدفاع عن التراث الفلسطيني جزءاً من مشروع وطني متكامل، يوازن بين المقاومة الميدانية وبناء الإنسان الفلسطيني الواعي والمتمكن. فالصمود ليس فقط بقاءً في وجه القمع، بل هو فعل بناء وحماية وإبداع يضمن استمرار الهوية وتناقلها عبر الأجيال.

إن مواجهة محاولات الاحتلال لسرقة التاريخ تتطلب أن يتحول كل بيت ومدرسة وجامعة إلى حصن للمعرفة، وكل جهد اقتصادي أو ثقافي إلى وسيلة لترسيخ الوجود. وعندها فقط يصبح الصمود الفلسطيني حقيقة عملية لا يمكن كسرها، ويظل التراث شاهداً على أن التاريخ لا يُمحى، وأن الحق يبقى ما بقي شعب يحميه.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...