إسرائيل تشوّش على مهمة براك...بمهاجمة الجيش اللبناني

الكاتب: أدهم مناصرة
أطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو صحافييه لمهاجمة الجيش اللبناني والتشكيك في دوره، مفادها "لا يجوز الاعتماد على الجيش اللبناني"، حسبما ورد في بعض المقالات، وذلك بموازاة البيان الملتبس الصادر عن مكتبه الاعلامي الذي أوحى بتحرك تدريجي لتل أبيب لجهة الانسحاب من لبنان، لكنه ربطه بتنفيذ قرارات مجلس الوزراء. وبعد بيان مكتب نتنياهو، قدمت تل أبيب خطاباً موازياً، عبّر عنه باحثون أمنيون وصحافيون إسرائيليون متخصصون في جبهتي لبنان وسوريا، وهو خطاب يهاجم الجيش اللبناني ويشكك في نواياه وجديته في تحقيق "نزع سلاح حزب الله".
ومن أبرز ما كُتب في الساعات الأخيرة بشأن ذلك، مقال لرئيس قسم الأبحاث في مركز "علما" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، تال بيري، بعنوان "حزب الله متخفٍ: لا يجوز لإسرائيل الاعتماد على الجيش اللبناني"، حيث يسرد المقال أسباباً ودوافع مزعومة تمنع الجيش الإسرائيلي من التعامل مع الجيش اللبناني كـ"جهة مستقلة"، أبرزها ما ادعاه بيري حول "اختراق" حزب الله لإدارة استخبارات الجيش اللبناني، بدعوى أن الحزب وظف على مدى سنوات، عدداً لا بأس به من "الضباط الشيعة" لمصلحته، على حد تعبير المقال العبري. وهذا الاتهام ليس الأول، إذ حاول الاحتلال التشويش على مهام أحد ضباط الجيش اللبناني قبل ايام، مما دفع الجيش لإصدار بيان ينفي فيه ما ورد، كما أصدرت "اليونيفيل" تعليقاً تنفي فيه المزاعم الاسرائيلية.
ذريعة "الباب الدوّار"
وأضاف بيري أن استمرار "التعاون" مع حزب الله داخل الجيش يفرض على إسرائيل اتخاذ "خطوات دفاعية"، مشيراً إلى أن المطلوب من قائد الجيش اللبناني، مدعوماً من الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، هو إقالة وفصل أي ضابط أو جندي في أي وحدة عسكرية لبنانية، "مرتبط أو متعاون" مع حزب الله. وتابع أنّ "النقل إلى وظيفة أخرى لا يكفي".
وبحسب تال بيري، فإن جزءاً لا يستهان به من أنشطة تفكيك الأسلحة التي يقوم بها الجيش اللبناني جنوبي نهر الليطاني، يتم تنسيقها مع حزب الله، عبر تزويد الأخير بمعلومات مسبقة، وتنسيق الوصول إلى مناطق معينة، بموازاة زعم الكاتب الإسرائيلي أن هناك احتمالات كبيرة بأن الجيش اللبناني يعيد الأسلحة المصادرة إلى حزب الله، ضمن ما تُعرف بطريقة "الباب الدوار"!
تشكيك في نوايا لبنان الرسمي
ولم يقتصر التحريض على الجيش اللبناني من قبل موقع "علما" ذي الخلفية الأمنية، بل أيضاً مقال آخر للصحافي الإسرائيلي المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، إيهود يعاري، نشره موقع "ماكو" العبري، بعنوان "حزب الله ونحن نفهم: التصريحات ليست أفعالاً"، حيث يتهم السلطة اللبنانية الجديدة، بأنها تبحث عن طرق لـ"المماطلة والتهرب من استحقاق نزع سلاح حزب الله"، ودعا يعاري إسرائيل إلى عدم الاستجابة للمطلب الأميركي بدفع ثمن رجعي لوعود لا تُترجم إلى أفعال.
وزعم يعاري أن الرئيس اللبناني جوزاف عون يؤكد في محادثات مغلقة أنه لا ينوي أن يزجّ جيشه في صراع مع حزب الله، مدعياً أيضاً أن قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل كان "المرشح الأفضل" لحزب الله، وخدم لسنوات في جنوب لبنان، وبنى شبكة علاقات وثيقة مع "عناصر حزب الله المنتشرة في المنطقة". وبشأن مصير التلال اللبنانية الخمس التي تحتلها إسرائيل، ختم يعاري مقاله بالتشديد على مواصلة وجود القوات الإسرائيلية على تلة الحمامص والنقاط الأخرى إلى أجل غير مسمى، لكنه ترك هامشاً لانسحاب ما، بقوله إنه "فقط عندما يُنزع سلاح حزب الله، سيكون من الممكن الاكتفاء بتولي وحدة نخبوية من الجيش اللبناني لهذا الموقع الحرج، أما قبل ذلك.. فلا".
خطابان.. بمعنى واحد!
وأمام تناقض الخطابين في إسرائيل حيال لبنان، بين الرسمي المستجد وذلك الضمني عبر أقلام أمنية وصحافية، فإن تفكيك وفهم الموقف الإسرائيلي الحقيقي، قد يكون ممكناً بالتوقف عند قراءة أكاديمية قدمها الباحث الإسرائيلي بشؤون الشرق الأوسط إيال زيسر، قال فيها إنّ بيان مكتب نتنياهو موجه للإدارة الأميركية أكثر مما هو للبنان، مشيراً إلى أنه "بيان إيجابي" لكن لا معنى له على الأرض ولن يغير شيئا فعلياً، عدا عن أنه يهدف إلى فتح الباب على ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل مستقبلاً.
بينما نوهت تحليلات إسرائيلية أخرى إلى أن بيان مكتب نتنياهو يعكس مقاربة إسرائيلية تقوم على تفادي اتخاذ موقف صارم ومُطلق تجاه الدولة اللبنانية في هذه المرحلة على الأقل؛ خشية التسبب في إعادة ما حققه الجيش الإسرائيلي من تغييرات تكتيكية على جبهة لبنان، إلى نقطة الصفر.
التلال الخمس.. كمصيدة لاتفاق أمني
وألمحت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن إسرائيل فرضت التلال اللبنانية الخمس التي تحتلها على إثر الحرب الأخيرة، كـ"أمر واقع"، وأنها لم تكن جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يثير علامات استفهام بشأن مساعٍ إسرائيلية لمقايضة انسحابها التدريجي من هذه التلال بقبول بيروت بإبرام اتفاق جديد ذي بُعد أمني.
في كل الأحوال، تُجمع إفادات الصحافيين والمتخصصين الإسرائيليين بجبهة لبنان، على أنه لا انسحاب إسرائيلياً قبل نهاية العام، وقبل نزع سلاح حزب الله بالمعنى الذي تفهمه تل أبيب، كما خلصت القراءات العبرية في الساعة الأخيرة إلى أن بيان مكتب نتنياهو "غير مسبوق.. لكنه منوط بنجاح الدولة اللبنانية في مسألة نزع سلاح حزب الله".. كاشفة أيضاً أن نتنياهو ومسؤولي الأمن الإسرائيليين أكدوا للمبعوث الأميركي توم براك أن إسرائيل تحتفظ بحق استمرار العمل العسكري ضد أي خروق مزعومة من جهة لبنان، وهو ما ضمنه اتفاق وقف إطلاق النار، وفق الزعم الإسرائيلي.