الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:53 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:13 PM
المغرب 7:05 PM
العشاء 8:22 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

في حكمة التاريخ بين فيتنام وفلسطين

الكاتب: بكر أبوبكر

انطلقت المقاومة الفلسطينية عام 1965م، إثر النكبة (1947-1948م) وتفاعلاتها الضخمة داخل الأمة العربية، وفي خضم جوّ ثوري للقادة المؤسسين مليء بالحماسة والرغبة بالعطاء وتجاوز السكون والركود السلطوي الذي صاحب نشوء الدول الوطنية بالمنطقة، لاسيما وعلوّ صوت تحرير فلسطين (من كافة الأحزاب العربية حينها)، وانتصار الثورة الجزائرية (1954-1962م) والتي انطلقت بدورها مستفيدة من الجوّ الحماسي إثر الانهزام الفرنسي الكبير عام 1954 في معركة (ديان بيان فو) في فيتنام، واعلان استقلال فيتنام (شمال فيتنام) برئاسة الزعيم هوشي منه والجنرال جياب. ولأن كلا الثورتين تعاطت مع المتغيرات بالمنطقة بوعي وعقل مفتوح فاستطاعت كل ثورة أن تفهم المتغيرات بزمانها، ونقاط الالتقاء والاختلاف بينها لتستفيد وتفيد وتقتنص الفرصة المتاحة وتتقدم وتنتصر.
جدير بالذكر أيضًا أن الثورة الفيتنامية استفادت من تلك الثورة الصينية (1946-1949م) ولاحقًا من دعمها ومساندتها خاصة في حرب التحرير للجنوب، عوضًا عن مساندة الاتحاد السوفيتي.
وهنا ونحن اليوم عام 2025 م، والحرب الصهيو-أمريكية مشتدة على فلسطين ومن بوابة التدمير العرقي والإفناء والتهجير والقتل والنكبة في غزة، والضفة من فلسطين، فإن النهر قد جرت فيه كثير مياه فلم يعد الوضع العربي كما كان (فترة الستينيات والسبعينيات وجوّ القومية الطاغي وجمال عبدالناصر وتحرير الأمة لفلسطين ودعم الاتحاد السوفيتي) ولا حتى ما تلاها حتى حرب الأمريكان على الخليج عام 1991 إذ انتقلت المنطقة العربية (بأنظمتها الموسومة رجعية أو تقدمية) من تدهور الى أسوأ، لاسيما ومع انهيار المعسكر الاشتراكي، ووقوع المنطقة ثم العالم بقبضة الأمريكي المتوحش، وفي السياق خروج مصر كليا من معسكر تحرير فلسطين عسكريًا (مع اتفاقيات كامب ديفد1978-1979م) ثم ما كان من تدمير العراق بعد استنزافه في عدة حروب الى أن وصلنا لتدمير الصهيوني المتوحش لبادرة الأمل بحلّ سياسي بقتل "رابين" ثم بتمزيقه (اتفاق أوسلو) فترة الانتفاضة الثانية (2000-2005م) وقتل الرئيس ياسر عرفات، ثم حاليًا من طحن الشعب الفلسطيني وإفنائه (2023-2025م) وصولًا للاحتلال الإسرائيلي للبنان و لسوريا (عام 2025م) وسيطرة الفاشي الصهيوني على معظم دول الأمة بالقوة بجميع أشكالها.
خلاصة القول أن المقارنة اليوم (أو العام 1993م حيث وقع اتفاق أوسلو وما تلاه) لا تقرأ بعين واحدة أو بمنطق القص واللصق حين الرجوع للخلف. فالمحلل السياسي البصير يرى حجم المتغيرات والقوى والمعسكرات (معنا، ضدنا، محايد) في كل مرحلة ما يعني الفهم للصورة الكاملة أولًا وحجم الممكن والفرصة المتاحة، وبالتالي تغيير بالأهداف الواقعية (مع ثبات الحق والقضية العادلة والرواية بالقطع والايمان بالتضحية والنصر لا محالة بإذن الله) من جهة، وتغيير بالسياسات كما أيضًا في الوسائل والأساليب المتوجب استخدامها وهو ما فعلته الثورة الفيتنامية بوقتها، وكذا الأمر من الثورة الجزائرية بوقتها.
وما فعلته الثورة الفلسطينية بقيادة الخالد ياسر عرفات حين فهمت اختلاف واختلال المعادلة العربية كليًا عندما خرجت مصر (بالتدريج من العام 1974-1979م) من العمل العسكري بالكامل، الى أن دخلت المقاومة الفلسطينية الممر الإجباري الى فلسطين وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية من بوابة (أوسلو) فكان الدخول حذِرًا ومرهقًا جدًا، وكانت الخديعة الصهيونية والمخطط العالمي لمحو فلسطين أكبر من تقدير الثوار ونواياهم، وأكبر من قدرة الثوار، ومع تضاؤل الفرصة.
كان هذا الاستطراد مواكبًا لرغبة في توسيع حالة الفهم والعبرة في ذكرى الانتصار الفيتنامي الأول في معركة "ديان بيان فو" عام 1954 في شهر 3 كما حال معركة الكرامة الفلسطينية في شهر مارس 1968م.
عمومًا دعنا نذكر استخلاصات المقاومة أو الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح في كتيبها المعنون "التجربة الفيتنامية" (صدر العام 1969م) الذي يعرض للثورة الأولى ضد الفرنسيين بقلم الجنرال جياب، حيث أوردت الحركة بمقدمة الكتيب ص 7-10 (المفهوم المتكامل للعمل الثوري العربي من أجل تحرير فلسطين) بالنقاط السبع التالية:
1-جمع القوى الشعبية العاملة كلها في جبهة تحرير شعبية تستطيع أن تجند الطاقات الشعبية وتلقي بقدرتها الانتاجية كاملة في ميدان المعركة، لأنها بوجه خاص تجنبها المعارك الجانبية والصراعات الداخلية، وهذا ما طرحته حركتنا ولا زالت تطرحه لضرورة التقاء كل القوى الثورية الفلسطينية في أرض المعركة.
2-وجود السلطة الشعبية الثورية التي تتولى زمام الأمور في المنطقة المحتلة وتنظيم صِلتها بالجماهير المناضلة وبمراكز الامداد في الخارج، وهذه السلطة بدأت تتبلور في قيادة حركتنا الصامدة.
3-خلق المد العالي أو التوتر الكافي لجعل شرارة الثورة فعالة، قادرة على إشعال السهل كله كما يقول "ماوتسي تونغ". وهي عملية غاية في الصعوبة ولا يصح إهمالها بحال من الأحوال، لأنها تؤلف فرقًا جوهريًا بين الثورة الناجحة والثورة المتعثرة. وقد حققت حركتنا نجاحًا باهرًا في الميدان حيث تم تسخين الحدود العربية مع العدو بعد أن ذاب الجليد الذي كان يتراكم عليها.
4-ضبط علاقة الثورة التحررية بالقوى المؤيدة وبالقوى الدولية الأخرى وهي عملية معقدة جدًا. بالنسبة للقضية الفلسطينية، وأن موقف الثورة الفيتنامية في الجنوب اليوم يمكن أن يفيدنا في تحديد عناصر السياسة المطلوبة لتنظيم علاقة الحركة الثورية بالقوى الأخرى من صديقة ومحايدة وخارجية. وحركتنا دائبة على مواصلة الاتصالات بكل الحركات والجبهات التحريرية في العالم من أجل خلق هذه القوى المؤيدة.
5-إن دراسة مدى تأثير نجاح الثورة الشعبية الصينية في نجاح الثورة الفيتنامية الشمالية، والظروف الدولية التي أحاطت بثورة فيتنام شمالها وجنوبها يمكن أن تفيدنا في تصوير تقديرات معينة بالنسبة لتأثير الظروف الدولية في معركة تحرير فلسطين.
6-ومن النقاط الجديرة بالبحث موضوع المرتكز الأرضي لثورتنا المسلحة هل هو الأرض المحتلة أو الضفة الغربية أم الأردن كلها أو الأقطار العربية المجاورة أو كل أولئك؟ إن دراسة التجربة الفيتنامية تفيد في تحديد أجوبة جيدة لهذه التساؤلات.
7-... يمكن أن نأخذ درسًا من صمود الثوار في الفيتنام وروحهم المعنوية العالية...وبعد مضي تسع سنوات من النضال الدامي استطاعوا أن يحققوا الانتصار الكبير في "ديان بيان فو" ويحرروا بذلك شمال البلاد...وها هم اليوم يحملون السلاح مرة أخرى ويناضلون ببطولة عجيبة... إنهم واثقون من النصر، واثقون من أن أي شعب في العالم مهما كان ضعيفًا وصغيرًا يستطيع أن يقاوم المعتدين ويهزمهم سياسيًا وعسكريًا إذا ما صمّم على القتال والكفاح وخوض المعركة الشعبية المسلحة.
في إطار النصر في معركة في "ديان بيان فو" ومثيله في معركة الكرامة 1968م، تشابهات  وافتراقات، فما بالك اليوم حين يصدمك البعض للعودة بالتاريخ الى الوراء حين يعقد مقارنات ليست ذات صِلة في ظروف مختلفة غير قابلة للاستنساخ. فالتاريخ لا يعيدُ نفسه أبدًا، وإن تشابهت ظروف تنطلي على ضعيف النظر فإنه لا تتغلب على الواعي والثائر الحكيم الذي ينظر للتاريخ للاستفادة والعبرة حيث أمكن، وحيث وقعت بعض المباديء القابلة للتحصن بها والقيم، مع فهم كامل للمتغيرات والمستجدات وحرية القرار في ظل ثبات الحق والعدالة والرواية والايمان الذي لا يلين بالله سبحانه وتعالى، وتضحية الفدائيين، وصمود الشعب، والنصر. (4/9/2025م)

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...