خسائر نتنياهو المتواصلة

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
بعد سنتين من هذه الحرب التي تجاوزت حدود الخيال والجغرافيا والقانون الدولي والإنساني والسماوي، وتجاوزت العلاقات الدولية والأعراف السياسية، وبعد أن استخدمت إسرائيل كل ما لديها تقريباً من أسلحة وخطط ووزراء حرب ورؤساء أركان وجنود احتياط ونظاميين، واختبرت أسلحتها وأنظمتها الدفاعية والسيبرانية للتجارة والتسويق والربح، وبعد سقوط وجرح وفقدان ما يقارب نصف المليون فلسطيني، إلا أن نتنياهو لم يستطع أن يحقق ما أراد، ويمكن القول إن هذا الرجل خسر وما يزال في هذه الحرب، وذلك أنه احتل قطاع غزة ولم يعلن انتصاره، ودمر كل شيء فيه، ولكنه لم يحصل على استسلام، حاصر ومحى مدناً عمرها آلاف السنين، ولكنه لم يحصل على أسراه ولا على مبتغاه.
جيشه من أقوى جيوش العالم، ولكنه لم يحصل على ما يريد من قطاع مدمر ليس فيه إلا مجوعين هائمين على وجوههم، ومقاومة لحق بها ضرر كبير وتحولت إلى ما يشبه مقاومة أشباح لا يمكن هزيمتها مهما استمرت هذه الحرب، فالمقاومة صنو الاحتلال.
خسر هذا الرجل صورة كيانه ومرجعياته، وحتى مبرراته، وقد اعترف بذلك حين قال إنه سيختار النصر على أن يحصل على تقارير رثاء جيدة، خسارة الصورة النموذجية لإسرائيل استبدلت بصورة أخرى أدت إلى النبذ والمحاصرة والإدانة ووصمة عار لا تمحى، وخسر نتنياهو إمكانية الاندماج المجاني في المنطقة، ووضع الآن اتفاقات إبراهام موضع المساءلة والمراجعة بعد الهجوم الصاعق على دولة قطر، ضارباً بعرض الحائط بكل الحسابات من أجل صورة نصر لن تأتي، أراد نتنياهو أن يقضي على دولة فلسطين ويفكك النسيج الاجتماعي والثقافي للشعب الفلسطيني، فكان أن هب العالم كله ليثبت هذا الحق وهذا الوجود.
خسر هذا الرجل سمعته وصورته وإرثه وكل ما أراد أن يبنيه عندما تحول وبعض من وزرائه إلى مطاردين للقانون الدولي، وإلى مدانين أمام شعوب الدنيا.
خسر هذا الرجل بعضاً من حلفائه وأصدقائه بسبب جرائمه وإصراره عليها، فتشكل رأي عالمي، أو يكاد، يطالب بالمقاطعة الاقتصادية والثقافية، وحتى الرياضية، ومحاسبة إسرائيل على أفعالها، وقد خسر هذا الرجل وكيانه أيضاً مواقع نفوذ ومراكز قوى في مجتمعات غربية كثيرة، ترسخت عبر عقود من العمل العلني والسري، فقد أصبح الآن من الشائع فتح المستور وكشف المسكوت عنه والكلام الصريح والواضح عن الأدوار التي تلعبها اللوبيات الضخمة في أوروبا وأمريكا، إلى درجة أن ترامب نفسه سمع بإذنيه مطالبات بتحرير واشنطن، فضلاً عن تحرير غزة، وذلك خلال عشاء في مطعم فاخر في العاصمة الأمريكية، إن المطالبة بتحرير واشنطن يعني أن كثيراً من الأوضاع قد تغيرت.
نتنياهو، وبعد سنتين من هذه الحرب، يمكنه النظر إلى مجتمعه، فسيعرف أنه خسر الكثير أيضاً في الداخل الإسرائيلي، وذلك بإضعاف المؤسسات واحتكار القرار وتغيير الأولويات وتجريف المبادرات وانقسام المجتمع وتعميق ذلك الانقسام، يمكن لنتنياهو أن يتأكد أنه بعد سنتين من الحرب لا يمكنه أن يدعي لجمهوره الانتصار، فقد خسر نتنياهو تماماً ما ادعاه من استعادة الأمن أو الردع أو الحسم، فلم يستطع إنهاء أي تهديد أو محو أية جبهة أو الانتصار على كل تحد.
إن توسيع وتعدد الجبهات ليس دليل قوة بقدر ما هو تعزيز للدور العدواني التي تندفع إليه إسرائيل خدمة لمصالح الغرب الاستعماري وأوهامه، فهي لن تنتصر، بل ستغرق في مزيد من الحروب، وهي لن تفرض شروطها بقدر ما ستضطر إلى الدخول في تسوية ما في نهاية الأمر.
نتنياهو خسر رهانه على جعل إسرائيل أقوى وأكثر أمناً وأكثر سيطرة، بل على العكس من ذلك، إسرائيل الآن وبعد سنتين من هذه الحرب، لم تنجح أن تتحول إلى "الأزعر" الذي يربي الحارة، فالحارة أوسع وأعمق وأقوى مما يظن ذلك الأزعر، وكل أزعر من قبل ومن بعد.