الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:16 AM
الظهر 12:27 PM
العصر 3:47 PM
المغرب 6:22 PM
العشاء 7:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

اللحظة الفلسطينية الحاسمة: ضمان وقف الإبادة نحو الدولة المستقلة

الكاتب: جمال زقوت


تمر القضية الفلسطينية اليوم بلحظة حرجة تتقاطع فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والاستراتيجية. فبعد سنوات من الحصار والانقسام، ونتيجة لحرب الإبادة في قطاع غزة، وما رافقها من توسع استيطاني مسعور في أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تتاح فرصة لإطلاق مسار سياسي قد يغير قواعد اللعبة. هذه اللحظة هي اختبار حقيقي لقدرة الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية على ضمان وقف الابادة بصورة دائمة، وتحويل ذلك إلى مسار يضمن بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران، وإلا فإن مخططات الاحتلال الرامية لمنع حق تقرير المصير والمضي بمخططات الضم والتصفية والتهجير تطل برأسها كونها الاستراتيجية الثابتة التي تحكم السياسة الاسرائيلية .

موافقة حماس ومأزق نتنياهو

لقد شكلت موافقة حركة حماس على خطة ترامب مفاجأة سياسية صادمة لإسرائيل، حيث أن ما أدرجه نتنياهو من سلسلة تغييرات جوهرية على الخطة الأميركية، استهدفت دفع حماس لرفضها، وإبقائها في عزلة سياسية. إلا أن الرد الإيجابي للحركة، وترحيب ترامب العاجل، أزال عن نتنياهو عنصر المبادرة، وجعل قبول الخطة مسألة مفروضة عليه.

هذا التحول كشف عن استراتيجية نتنياهو لتفجير مسار التفاوض عبر خلق أزمات حول القضايا العالقة مثل السلاح والترتيبات الأمنية، وبالتالي فإن السؤال الذي يقلق الجميع هو: ماذا سيفعل نتنياهو إذا استعاد جميع المحتجزين؟ وهل سيلتزم بالمسار السياسي ، أم أنه سيعاود خلق الذرائع التي تمكنه من العودة لحرب الإبادة لاستكمال الأهداف التي فشل في تحقيقها حتى الآن، وخاصة تهجير أهل القطاع؟ وفي المقابل، كيف ستتصرف واشنطن ومعها المجموعتان العربية والدولية، سيما الدول الوسيطة لضمان نجاح الخطة وتحويلها إلى واقع ملموس؟


انفتاح حماس على الحوار الوطني

مواقف حماس التي تضمنها بيان الموافقة على الخطة، وتصريحات عدد من قيادتها السياسية تظهر استعدادًا، ربما غير مسبوق للتعاون مع السلطة الوطنية ومنظمة التحرير. فقد أكدت الحركة أن بعض القضايا الواردة في خطة ترامب لا يمكن الرد عليها منفردة، وأن هذه القضايا التي تتصل بمستقبل القطاع والمصير الوطني تتطلب موقفًا وطنيًا جامعًا. هذا الانفتاح يُعدّ تحولًا استراتيجيًا في نهج الحركة، ويشير إلى إدراكها أن استمرار الانقسام لن يخدم أحدًا، وأن الحل يمر عبر إعادة بناء الوحدة الفلسطينية كشرط أساسي لحماية الحقوق الوطنية، وضمان مسار سياسي مستدام يقطع الطريق على حكومة الاحتلال من تكريس فصل القطاع عن الكيانية الوطنية.

إن موقف حماس هذا يوفر لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية فرصة تاريخيّة لاستعادة مكانتها التمثيلية الجامعة، وتوسيع قاعدتها الشعبية، وتفعيل دورها السياسي، وتضعها أمام مسؤولية تشكيل المؤسسات الوطنية القادرة على اعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وإعطاء الأمل لشعبنا للنهوض بدوره، كونه صاحب المصلحة الحاسمة في رسم ملامح المصير الوطني والمشاركة الفعالة في ترسيخه.

الاختبار الفلسطيني

السلطة الفلسطينية اليوم أمام اختبار سياسي استثنائي: هل ستتجاوب مع هذا الانفتاح وتلتقط اللحظة السياسية؟ فاستمرار النأي بالنفس، سيمكن نتنياهو ليس فقط من تفجير مسار خطة وقف إطلاق النار، بل سيعطيه الفرصة للمضي نحو ترسيخ الهيمنة الأمنية وفرض ادارة بديلة، تمهيدًا لخلق نموذج آخر مشابه في الضفة الغربية، والتي تعتبر مركز وجوهرة المشروع الصهيوني، ما قد يحول الهدنة إلى فخ سياسي جديد لتقويض المشروع الوطني، وتصفية الحقوق الفلسطينية. وفي الوقت ذاته، يعتبر هذا الاختبار فرصة لإعادة توحيد السلطة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية بدعم من كافة الأطراف، وتمهيد الطريق نحو دولة فلسطينية مستقلة وحقيقية على أرض الواقع وليس مجرد اعترافات رمزية على أهميتها.
 

رغم الحزم الذي يبديه ترامب، إلا أن مواقفه المتقلبة، والنوايا المبيتة لدى نتنياهو، تفرض على المجموعة الدولية، بما في ذلك دول الوساطة، التحرك وفق خطة متكاملة مركزها تثبيت وقف إطلاق النار ومنع انهياره، الأمر الذي يتطلب تواصل فعّال مع الإدارة الأمريكية لمحاصرة محاولات نتنياهو تفجير الخطة، وتحميل الفلسطينيين المسؤولية، و ما يتطلبه ذلك من دفع الادارة لممارسة نفوذها على تل أبيب، لمنعها من المماطلة في الانسحابات، عرقلة الإغاثة والإعمار ، أو القيام بعمليات عسكرية أو استفزازات ميدانية، بما في ذلك الاغتيالات أو الاجتياحات المحدودة. ذلك بالضرورة يتطلب الحصول على ضمانات أميركية مكتوبة، وفي نفس الوقت الحرص على الامتناع عن تقديم أية ذرائع تساعد اسرائيل على التفلت من التزاماتها .

إن بناء مسار سياسي بين الأطراف الفلسطينية والتعامل بصورة جدية مع دعوة حماس للحوار، والتجاوب مع الدعوة المصرية لالتئامه في القاهرة بمشاركة عربية فاعلة يفضي إلى مسار عملي نحو حكومة وفاق وطني انتقالية على أساس إعلان بكين، في سياق تعزيز وحدة التمثيل ومكانة منظمة التحرير. فاستعادة وحدة الكيانية يمثل شرطاً  أساسياً لافشال ألاعيب نتنياهو، وضمان الحقوق الوطنية في سياق أي تسوية نهائية.

إن أي تردد أو تراجع في التقاط الفرصة من مختلف الفرقاء الفلسطينيين سيساعد اسرائيل على المضي بمخططاتها لمنع قيام دولة فلسطينية من خلال فرض إدارة بديلة تضمن استمرار سيطرتها على القطاع ويعزز من خططها في الهيمنة على الضفة الغربية والقدس الشرقية. لهذا، فإن استجابة جميع الأطراف للحوار والالتزام بموقف جماعي موحد بصورة حازمة وجادة ليست مجرد خيار سياسي، بل هي خط الدفاع الأول عن المشروع الوطني الفلسطيني، وعن قدرة الفلسطينيين على توحيد خطابهم واستراتيجية عملهم السياسي الكفيلة بمواجهة مخططات الضم والتهجير التي ما زالت تشكل أولوية جدول الأعمال الصهيوني داخل الحكومة والمعارضة على حد سواء.

في هذا السياق، تصبح الدول الوسيطة حجر الزاوية في استثمار علاقاتها مع باقي الدول العربية الوازنة، سيما دول الخليج للإمساك بهذا المسار كخطوة استراتيجية نحو استقرار شرق المتوسط، مع إلزام الولايات المتحدة بضبط إسرائيل ومنعها من الانحراف عن جدول تنفيذ خطة ترامب ، والعمل على تطوير أبعادها السياسية لجهة الإقرار بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحقه في العيش بحرية وكرامة في دولته المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967.

في الوقت نفسه، فإن تطوير هذا المسار يتطلب تنسيق المواقف العربية والدولية، خاصة الأوروبية، لدعم وقف الإبادة وإعادة بناء قطاع غزة، مع توجيه تحذير واضح من أن انهيار ذلك سيؤدي إلى تصعيد التطرف والفوضى الإقليمية، ما يُعَقِّد فرص الاستقرار في المنطقة بأسرها. الأمر الذي يفرض على كافة الدول المعنية باستقرار المنطقة ، والمؤسسات الدولية ذات الصلة، بما فيها الأمم المتحدة ، للإسراع في تنفيذ برامج إعادة الإعمار، لإعطاء الأمل للناجين من الابادة واليأس، ولا سبيل لذلك سوى وضع القيادة الفلسطينية هموم وقضايا وألم الناس التي ذاقت ويلات الابادة فوق أي اعتبار، وإشراكها في بناء مستقبلها على الأرض دون تراجع أو انتكاسات، وبما يؤسس لشرعية فعلية تمكن الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بشكل مستقل. هذا كله يعزز بناء إجماع دولي على أن أي هدنة طويلة الأمد يجب أن تترافق مع مسار سياسي شامل يعيد وحدة الكيانية الوطنية، ويضمن الالتزام بالحقوق الفلسطينية، ويحول الهدنة من مجرد توقف مؤقت لإطلاق النار إلى خطوة استراتيجية نحو دولة فلسطين المستقلة.

الطريق الوحيد لضمان عدم إفلات نتنياهو من استحقاق الدولة الفلسطينية هو أن تلتقط الأطراف الفلسطينية بدعم عربي جاد هذه اللحظة السياسية، لتنفيذ ما ورد في اتفاق بكين بتشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية تتحمل كامل المسؤولية عن الحكم والإدارة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس. إن قيام حكومة الوفاق ليس مجرد استحقاق إداري، بل هو شرط وجودي لتحويل الهدنة إلى مشروع تحرر وطني حقيقي. كما يجب على الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ممارسة نفوذها على واشنطن وتل أبيب لضمان إعادة الإعمار ومنع التهجير، وإجبار إسرائيل على التوقف عن سياسات الضم والاستيطان، وتحويل الاستقلال الوطني إلى واقع ملموس يمثل عنصرًا إيجابيًا في استقرار المنطقة، ونبذ العنف، والإسهام في ازدهار شعوبها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...