احتفال الاثنين.. كي لا يتطاير كالغبار

رأي مسار
كان يوماً طويلاً ومثيراً، يوم فرحٍ لمن عانقوا فضاء الحرية، بعد ظلام المؤبدات، ويوم دموعٍ نزفتها القلوب قبل المآقي، حين احتضنت الأسر فلذات أكبادها، وتوائم روحها، بعد يأسٍ مريرٍ من لقاءهم، ويومٌ بدا فيه أن أبواب جهنم أُغلقت ولم تعد تصب حممها على غزة وأهلها، ويومٌ أُرغم فيه نتنياهو على الاعتراف على مضض بانتهاء الحرب، دون أن يقدّم ولو إشارةً طفيفة نحو نقيضها وهو السلام الدائم والعادل مع الشعب الفلسطيني، المتحرر من الاحتلال والاستيطان، ومع الدولة الفلسطينية العتيدة.
وهو يومٌ احتشد فيه زعماء العالم أو لنقل نخبةٌ هامةٌ منهم، كشهودٍ على مبادرة ترمب بوقف الحرب على غزة، التي أُنجز منها جزءٌ قليل على طريقٍ طويلٍ يكتظ بالحفر والألغام.
هو يومٌ تُوّج فيه دونالد ترمب كسيد للسلام المنشود الذي احتُفل ببداياته كثيراً من قبل دون أن يُحتفل بنهاياته السعيدة.
يوم الاثنين الثالث عشر من أكتوبر، في الكنيست جرى احتفالٌ بالحرب، وبما أنجزته إسرائيل من خلالها، بهمة ترمب، وبإغداقه عليها بكل أسباب فظاعتها وأدوات الدمار والإبادة فيها.
أمّا في شرم الشيخ، فقد حصل ترمب على جائزة عمره ليس على ما فعل، وإنما على ما يُنتظر منه أن يفعل، وكل الذين شهدوا عرسه الزاهر، وشاركوا في حفل توقيع وثيقة الاتفاق بين إسرائيل وحماس، لم يأتوا إلا لأنهم قدّروا أن الاتفاق الذي شهدوا عليه سوف يكون مقدمةً لما هو أكبر، وهو بدء مسيرة سلام شاملة، جزءٌ منها إعادة إعمار غزة، والأجزاء المتبقية إنهاء الاحتلال عن الوطن الفلسطيني وقيام الدولة التي اعترف العالم بها مسبقاً في لقاء نيويورك التاريخي.
كان لقاء الكنيست استعراضاً بائساً وتبريراً ملفقاً لأكبر حرب إبادةٍ وقعت في القرن الحادي والعشرين، أمّا لقاء شرم الشيخ الذي جسّد رهانات العالم للمستقبل، فسوف يكون اختبار جدواه وجدارته بالاحتفال ليس ما حدث وإنما ما سيحدث بعده، فإذا برهن رواد شرم الشيخ عن أن ما حدث يوم الاثنين الثالث عشر من أكتوبر هو بداية مسيرة سلام حقيقية هذه المرة، وكان الرئيس السيسي موفقاً تماماً في كلمته بحيث تصلح لأن تكون جدول أعمال الحاضر والمستقبل بشأن السلام الشرق أوسطي، فإن حدث ذلك فسيسجل يوم الاثنين الثالث عشر من أكتوبر كيومٍ تاريخي، ولكن إذا ما تمكّن نتنياهو وفريقه المتربص من تدمير فرص السلام كما فعل مع شريكه شارون من قبل فسوف يعود الجميع إلى الدوّامة بحيث يكون السلام المنشود واحتفالات بداياته الزاهرة كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، أو كما وصف غزّي طيب رؤيته لبيته المدمر حين قال.. رأيت ذكرياتي وقد تطايرت كالغبار.