التغيير الحقيقي في معادلات القوى

رأي مسار 

منطقة الشرق الأوسط هي أكثر مناطق العالم التي يلعب أهلها دوراً ثانوياً في صنع سياساتها ومصائر كياناتها.

وفي كل الحروب التي جرت في الشرق الأوسط كانت خسائرها على حساب أهله، ومكاسبها تصب في جيوب الآخرين.

وقد أنتجت حروب الشرق الأوسط كياناتٍ مدمرة ودولاً تعاني من أزمات واصطراعٍ داخلي، نقل الكثير منها من تصنيف الدول العادية إلى الدول الفاشلة، وما من أزمةٍ بينيةٍ نشأت بين الكيانات، أو أزماتٍ داخلية، إلا وتمت الاستعانة بقوىً خارجية إمّا للاستقواء بها من طرفٍ على طرفٍ آخر، أو لارتهان الجميع من موقع ضعفٍ ودونية لأجنداتٍ خارجيةٍ تتقاسم النفوذ فيها، وكأن الدول والمجتمعات مجرد مليشياتٍ تقاتل لحساب مموليها.

حرب غزة التي بالكاد لم تتحول إلى حربٍ إقليميةٍ شاملة، مع أن دخول إيران على خطها أعطى إيحاءً بذلك، هذه الحرب وطول أمدها واتساعها على نحوٍ هدد أمن وسيادة معظم دول المنطقة، فرضت اصطفافاً أولياً لجميع الدول العربية والإسلامية، وأدّى دوراً فعّالاً في تحريك ملف غزة نحو الحل، ولولا هذ الاصطفاف الذي تبلور في نيويورك وتعزز دوره في شرم الشيخ، لظل الاستفراد الإسرائيلي متحكماً بمجريات الحرب على غزة، وبما تحمله من تطوراتٍ تتصل بدول الشرق الأوسط جميعاً.

ممثلو الدول الإسلامية يجتمعون في تركيا لمتابعة تطورات الوضع في غزة، وتوفير إمكانياتٍ عمليةٍ لإدامة وقف إطلاق النار والانتقال إلى المراحل التالية من مبادرة الرئيس ترمب، حيث العرب والمسلمون تحولوا من خلال التوقيع على وثيقتها، من وسطاء ثانويين إلى شركاء أساسيين، وهذا تطورٌ إن أُحسن استخدامه وتوظيفه بما يتجاوز مسألة غزة، إلى الترتيبات المحتملة في الشرق الأوسط، فسوف يجسّد تغييراً حقيقياً في معادلات القوى المؤثرة بما ينقل دول الشرق الأوسط، العربية والإسلامية من دور الوسيط إلى دور الشريك في صناعة الحلول، ليس فقط بشأن غزة وحدها بل بكل الملفات الشرق أوسطية.

بنظرةٍ موضوعيةٍ للواقع الدولي المكتظ بالصراعات الساخنة والباردة، الظاهرة والكامنة، تنفتح فرصةٌ تاريخية للدول العربية والإسلامية لتكون صاحبة كلمةٍ مسموعة بكل ما يتصل بالشرق الأوسط، فهل يتم الاتفاق أو التوافق على أن ما أنتجته حرب غزة من اصطفافٍ عربيٍ إسلامي، سوف يتواصل ليجسّد شراكةً فعّالة، في حاضر ومستقبل الشرق الأوسط؟

حاجة الدول والشعوب تحتّم ذلك، والحاجة لاستقرار الشرق الأوسط تتطلب ذلك، والعالم الذي سئم الفوضى والحروب في واحدةٍ من أهم مناطقه وتجمّع مصالحه، لا بد وأن يدعم ذلك.