غزة في قلب المؤتمر الثامن لفتح ،،، ردّ على التعقيبات وتقدير لصوت د. مازن صافي
الكاتب: ياسر أبوبكر
بعد نشر مقالي السابق حول أهمية عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح، وصلتني مجموعة كبيرة من ردود الفعل والتعليقات من الكادر الفتحاوي في الداخل والخارج، وجاء من بينها تعليق لافت ومهم من الأخ العزيز الدكتور مازن صافي من غزة، حمل رؤية نقدية عميقة تستحق التوقف عندها لأنها تكشف جوهر التحدي الحقيقي أمام الحركة اليوم: غزة ليست مجرد إقليم تنظيمي، بل الساحة الأكثر تعقيداً والأكثر تضرراً، وبالتالي الأكثر حاجة إلى معالجة خاصة داخل أي خطة للمؤتمر الثامن.
فقد أشار د. مازن بوضوح إلى أن قطاع غزة، الذي دمّر الاحتلال 70% من بنيته المدنية والتنظيمية، لم يعد يمتلك جغرافيا تنظيمية يمكن البناء عليها بسهولة. فقد تلاشت المناطق والشعب التنظيمية بفعل النزوح القسري، ودُمّرت المقار بالكامل، وتشتت أبناء الحركة بين مخيمات جديدة وبلدان جديدة. إنه واقع لا يمكن تجاوزه أو إخفاؤه فقط من أجل الإسراع في عقد المؤتمر، بل يحتاج إلى معالجة استثنائية مبنية على فهم دقيق لما جرى.
ولذلك فإن السؤال الذي طرحه د. مازن: "هل نكتفي بالعضويات التي كانت جاهزة قبل الحرب؟ وهل يعكس ذلك شمولية العمل الحركي وسلامته؟" ليس مجرد تساؤل تنظيمي، بل سؤال عدالة داخلية، لأنه لا يجوز أن يُظلم أبناء غزة مرتين: مرة تحت القصف ومرة داخل النظام التنظيمي.
ومن هنا جاء اقتراحه الواقعي باعتبار غزة "منطقة منكوبة تنظيمياً"، كما قد يجيز النظام الأساسي، والذهاب إلى التكليف المرحلي بدل الانتخابات، إلى حين استقرار الجغرافيا وعودة القدرة على إعادة بناء الأقاليم بصورة طبيعية. وهذا الاقتراح ليس تراجعاً عن الديمقراطية، بل حفاظ عليها إلى أن تتوفر شروطها الحقيقية.
كما لفت د. مازن إلى مسألة مهمة تتعلق بقرار الرئيس محمود عباس في القمة العربية عام 2025 بشأن العفو العام عن المفصولين من الحركة، وأثر هذا القرار على البنية التنظيمية، لأن إعادة هؤلاء الكوادر-وخاصة من غزة-ستغيّر تلقائيا تركيب المناطق والأقاليم. وهذا أمر ينبغي التعامل معه بحكمة لا باعتباره حملًا إضافياً؛ فهؤلاء طاقة بشرية تم إقصاؤها لسنوات، وقد تكون اليوم جزءا من عملية الإنقاذ لا عبئا عليها.
وتوقف د. مازن كذلك عند قضية أبناء غزة الذين خرجوا قسرا إلى دول العالم خلال الحرب، متسائلًا: "هل يمكن اعتمادهم في أقاليم الخارج؟"والإجابة التي يجب أن يُقرها التنظيم بوضوح هي: نعم، إذا سمحت ظروف البلد المضيف، وإذا بقي هذا الكادر قادرا على العمل والانخراط في الشأن الحركي. فالغربة لم تكن اختيارا، ولا يمكن أن تكون سببا لشطب العضوية أو إضعاف الحضور التنظيمي.
ولأن المؤتمر الثامن لا يمكن أن يكون مؤتمراً وطنياً شاملًا دون تمثيل حقيقي لغزة، يصبح من الضروري أن يؤخذ ما طرحه د. مازن في الاعتبار، ليس كتعليق عابر، بل كجزء أساسي من خارطة الطريق التنظيمية المقبلة. فالتعاطي مع غزة يجب أن يكون بمنطق استثنائي يضع الأبطال الذين صنعوا المعنى الحقيقي للصمود في مكانهم الصحيح داخل الحركة، لأن غزة ليست فرعاً من فروع فتح، بل قلبها الأكثر نزيفاً وصبراً.
وبعد قراءة وتعقيب د. مازن، يتأكد أن المؤتمر الثامن لا يمكن أن يُعالج بطريقة واحدة تُطبّق على الجميع. الضفة ليست غزة، والخارج ليس المخيمات، والشتات ليس الداخل. ولأن الحركة الوطنية الفلسطينية بكل تنوعها تعيش اليوم على وقع جغرافيا مُدَمَّرة في مكان، وجغرافيا مُربَكة في آخر، فإن الحل الوحيد هو الاعتراف أولًا، ثم البناء على هذا الاعتراف بخطة عملية، واضحة، ومنصفة.
إن صوت د. مازن صافي هو نموذج للصوت الحركي المسؤول الذي يضع المصلحة التنظيمية فوق العاطفة، والمصلحة الوطنية فوق الشكل، ويذكّرنا بأن المؤتمر الثامن ليس موعدًا احتفالياً، بل عملية إنقاذ داخلية تحتاج إلى شجاعة سياسية، وإرادة قيادية، وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. وإذا كانت فتح تريد أن تستعيد دورها التاريخي، فإن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ من غزة،،، بكل جراحها، ودمها، وشهدائها، ونازحيها، وبكل كوادرها الذين ما زالوا رغم كل شيء يرفعون راية الحركة في أصعب ظروف عرفتها فلسطين.
ولذلك فإن الرد على د. مازن ليس مجرد كلمات شكر ، بل التزام بأن تكون غزة في قلب المؤتمر الثامن، لا في هامشه، وأن تُدار الملفات التنظيمية فيها وفق واقعها الحقيقي لا وفق نموذج جاهز لا يشبه شيئاً مما جرى. إن المؤتمر الثامن إذا أراد النجاح فليبدأ من غزة، وإذا أراد أن يكون نقطة تحول فليُصغِ لأصواتها، لأنها اليوم ليست مجرد ساحة تنظيمية،،، بل امتحان أخلاقي وتاريخي للحركة كلها.

